يبدو لي.. أن المشكلة أمام الهيئة العليا للسياحة.. ليست جلب أكاديميين وخبراء ومبدعين لعمل تصورات حول أفضل الطرق وأسرعها لصناعة سياحة محلية عملاقة.. بل المشكلة.. في إيجاد صناعة تتواءم مع ثوابتنا وما استقرت عليه أمورنا كعقيدة أولاً.. ثم.. أعراف وعادات وتقاليد ثانياً..
** ثم.. من هو الذي يفسر هذه الثوابت.. وبمقاس من؟ ومن الذي يضع لها الضوابط.. لأنها مع الأسف.. محل جدل ونقاش وخلاف.. ومحل أخذ ورد.
** هناك من يقول: إن علينا أن نكون أكثر تسامحاً وانفتاحاً مع متطلبات السياحة اليوم.. ولا يعني ذلك.. فتح باب الشر والفساد أبداً..
** ولا يعني الاختلاط.. ولا يعني مخالفة الشريعة.. بل يقول: إذا ما قسنا حجم الفساد والضرر الذي يترتب على «سياحة بناتنا وشبابنا ونسائنا» في الخارج.. وحجم الأضرار الأخلاقية التي تترتب على هجرتهم السنوية لثلاثة أشهر على الأقل.. مقارنة بفتح شارع مثل شارع النهضة.. أو شارع مثل شارع «الحوامل» أو شارع مثل شارع التحلية.. ووضع بوفيهات وأكشاك ومقاهٍ تشرف عليها كل الجهات المعنية.. وأولها.. الشرطة والمرور والبلدية.
** يقول: إن حجم الضرر من سفر هؤلاء.. أعظم بمسافات.
** إن هناك من «دشر» في الخارج دشرة مخيفة..
** وهناك من عاد بإيدز.. وهناك من عاد مدمن مخدرات.. وهناك من عاد «صائعاًَ» ضائعاً.
** وهناك من عادت ومعها أرقام وهواتف وعلائق وعلاقات.
** مشكلتنا كما يقول هؤلاء نذهب إلى بيروت فلا نجد إلا بناتنا وأولادنا هناك..
** ونذهب إلى القاهرة ونجدهم.. هم الذين يُعمرون المسارح ودور السينما والمقاهي والكازينوهات وما شاكلها.
** ونذهب إلى دبي.. ونجدهم.. هم الذين يشغلون الفنادق والمطاعم وما شاكلها.. ولو امتنع السعوديون عنها..لأغلقت أبوابها.. ولبارت السياحة في هذه المدن الثلاث نهائياً.
** السعوديون.. يملأون كل شيء.. حتى باريس ولندن وتركيا وإيطاليا وإسبانيا وسنغافورا وماليزيا وإندونيسيا و«المذكورة.. كازا».. وغيرها.. وغيرها.
** هكذا يقول أصحاب هذا التَّصور.
** ويقولون: ماذا لو حاولت بعض الأماكن في جدة والرياض وأبها والدمام والطائف والباحة وحائل.. مثلاً.. لو حاولت استقطاب هؤلاء بمحلات وأماكن.. مثلما فعلت جدة.. عندما نجحت في الحيلولة دون سفر حوالي «10%» وجدوا في جدة.. بعض ما يريدون وليس كله.. وامتنعوا عن السفر.. وامتلأت جدة بالسياح.. وامتلأت فنادقها وشققها بحسبة بسيطة.
** هؤلاء يقولون: نحن لا نريد فساداً.. ولا نريد انحرافاً.. ولا نريد المساس بالأخلاق والمبادئ.. ولا نريد مخالفة الشرع أبداً.. بل نريد هيمنة لرجال الهيئة ولكن.. فتح طريق النهضة وطريق التحلية ورصيف «الحوامل» مع بعض اللمسات المعقولة.. كفيل بالحيلولة دون «زَرْقَةْ» الكثير والكثير من العوائل طوال العام وبشكل مستمر.. إلى دبي والبحرين والقاهرة وبيروت وغيرها.. بمعدل.. عشر أو خمس عشرة سفرة في العام الواحد.. لمجرد أنه يريد أن يجلس مع زوجته وأولاده في مقهى أو مطعم أو محل مستور.. فيتردد هناك ويكتسب اخلاقيات سيئة ليعود بها وأفراد أسرته.
** يقول أصحاب هذا الرأي: لنتسامح قليلاً.. وإن كان فيه ما فيه.. من أجل الحيلولة دون مصائب ومشاكل ومفاسد عظيمة يجلبها سفر هؤلاء إلى دول فيها بعض الفساد والانحراف.. سواء كانت قريبة أو بعيدة.
** أين تعلم شبابنا شرب الخمور؟
** وأين تعلموا تعاطي المخدرات؟ وكيف حصلت أول جريمة فساد أخلاقية؟
** وكيف انفتحت بعض الأمور المغلقة لولا هذه السفرات التي لم تجلب سوى الخراب والدمار لمجتمعنا.. وتعوُّد شبابنا وبناتنا على أنماط سلوكية ضارة وأخلاقيات منحطة؟
** نحن لا ننكر أثر الفضائيات والإنترنت.. ولكن ما يشاهدونه نظرياً في الفضائيات والإنترنت.. يجدونه عملياً هناك.. ويجدونه سهلاً ميسوراً مهيَّأً.. بل ويشجعون عليه ويجدون من يدعمهم.
** هؤلاء يقولون: على الهيئة العليا للسياحة.. أن تنتبه لذلك.. وأن تحاول أن تفتح باب «سددوا وقاربوا» والضرر الأشد.. يدفع بضرر أخف.
** هؤلاء يؤكدون أنهم لا يريدون أي مجال للفساد.. لكنهم يقولون: إن أمام الهيئة العليا للسياحة دوراً كبيراً.. ليس لتوفير «25» مليار ريال تُرمى في الخارج سنوياً بأيدي السياح من أبنائنا.. فهذا أمر سهل.. بل للمحافظة على أخلاق ودين هذا الجيل الذي نشاهده يتهدَّم بفعل السياحة الصيفية السنوية الخارجية.. ومتى ضاع هذا الجيل.. فقل على المستقبل السلام.. فشبابنا.. هم عماد المستقبل.. ولا مستقبل لهم دون دين وعقيدة تردعهم.
** كم عدد المسافرين لدبي سنوياً؟
** وكم عدد المسافرين إلى القاهرة وبيروت وباريس وسوريا؟
** إن المحافظة عليهم.. ليست أمراً مستعصياً للغاية.. وبوسعنا.. كما استطاعت جدة المحافظة على «10%» أو «20%» منهم.. أن نحافظ متكاتفين على «40%» منهم.. وهكذا تتصاعد النسبة إلى أن تصل إلى «70%» وكفى.. لأن هناك من لا يعجبه شيء وهذا لا يهمنا.
** هكذا يرى أصحاب هذا الرأي.. أما أصحاب الرأي الثاني فيقولون: الحق أحق أن يتبع.. ولا يمكن أن نتنازل ولا عن فتح كرسي واحد في قهوة.. ومن أراد أن «يدشر» أو يفسد أو يبيع دينه.. فهذا شأنه.. وهذا رأي شرعي صحيح لا غبار عليه.. إذ إن أعز ما نملك.. هو ديننا.. الذي هو رأس مالنا.. ونحن بدونه.. لا نساوي شيئاً.. والله تعالى.. أعزنا بهذا الدين.. ومتى تركناه.. فعلينا أن ننتظر الذل.
** وأصحاب هذا الرأي.. لا شك أنهم غيورون مخلصون ناصحون.. هاجسهم حفظ الأمة وحفظ الدين وحفظ الأجيال.. ولكن.. قد يلتقون مع الرأي الأول في بعض النقاط.. ونقاط الالتقاء تلك.. هي الحل.
** هذان الرأيان.. مختلفان حول السياحة الداخلية وهو أمر متروك للنقاش.
** هل من مصلحتنا.. أن نتسامح قليلاً وبشكل لا يتعارض مع أصول الدين ونحاول استقطاب هؤلاء المسافرين للخارج أو بعضهم وبحسبة بسيطة تحت اشراف رجال شرعيين.. أم اننا غير ملزمين بهؤلاء.. فالحلال بين.. والحرام بين؟
** حقيقة.. لست مؤهلاً لترجيح هذا الرأي أو ذاك.. وإن كنت أميل للرأي الثاني أكثر ولكن هذا شأن أهل العلم وأهل الحل والعقد وأهل الرأي الشرعي وأهل الفقه.. والكلمة.. كلمتهم.
** انني أجزم.. بل أعرف.. أن الهيئة العليا للسياحة قد فتحت جسوراً قوية مع العلماء والفقهاء أو مع الهيئات وتحاورت معهم وأعطتهم ما عندها وسمعت ما عندهم.. لكن القضية تحتاج إلى جسور أقوى.. وإلى نقاشات.. وإلى حوارات.. وإلى نهاية ايجابية.
** ليجتمع المثقفون وأهل الرأي والفكر والتجار والإعلاميون وخبراء السياحة والمعنيون بها مع رجال العلم والفقه والشريعة.. ويتباحثون ويناقشون هذا الأمر بجدية وبقوة.. ليظهروا السلبيات والايجابيات.. ويوازنوا بين المصالح والمفاسد.. ولتكن الكلمة الأولى والأخيرة.. لشرع الله.. فهي التي تؤطر كل عمل.
** هذه مجرد رؤية سريعة.. والرأي للمختصين والخبراء والمعنيين.
|