Monday 15th december,2003 11400العدد الأثنين 21 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
وقفة عتاب لجمهور الرياضة وصحافتها!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

لي صديقٌ حميمٌ ما التقيت به قط إلاَّ كان الحديثُ عن (كرة القدم) ثالثَنا، والأ عجبُ من هذا كله أن صديقي هذا متحمّس حتى النخاع لهذه اللعبة الساحرة، لكنّه أكثرُ حَماساً للفريق المحليّ الذي يشجّعه هو بوجه خاص، إلى الحدّ الذي يجعله يتَحدّثُ عن انتصارات وانكسارات هذا الفريق ب(ضمير) الجماعة! وفي الوقت نفسه، كنت وسأبقى (أُميّاً) في هذا الشأن، فَلا أفْقَه من أبجديّات هذه اللعبة ألفاً ولا ياء، ولا أنتَمي تشجيعاً إلى أيّ نادٍ رياضي، وما أكثر ما (اشتبكت) ودِّياً مع هذا الصديق ومع سواه عند الحديث عن أخلاقيات هذه اللعبة، والرغبة في الارتقاء بالحسِّ الرياضي عن مواطن الإسفاف، لتبقى الرياضة بمفهومها العام وسيلةً تجمعُ ولا تفرِّق، وتُسْعد ولا تُشْقِى، وتسمُو بالوجدان بدل أن تهبط به إلى درك السَّفَه!
***
وحدُه المنتخبُ الوطني يشدّ انتباهي في منافساته الإقليمية والعالمية، ومع ذلك أستعينُ ب(مترجم) لبعض مفردات ومصطلحات المعلّقين على تلك المنافسات، ورغم (أميّتي) الكروية، إلاّ أنه يفتنُني الأملَ أن يفوزَ منتخبُ بلادي فوزاً تؤهِّلُه القدرةُ لا الشَّغَب، ويشفعُ له الإنجازُ لا الغرور، ويعزِّزُه الاحْترافُ لا العبثُ، فإن فاز، فنعمّا هي، وإن خَسِر.. فلعلةٍ تبدأ وتنتهي به في معظم المواقف، أداءً ولياقةً وسلوكاً وإدارة!
***
لكن ما يحزنني من قبلُ ومن بعدُ، وأكاد أجزم أنه يُحزنُ كلَّ غيور على هذا الوطن، أن تقترنَ الهزيمةُ الميدانية في الرياضة بالهزيمة الثقافية، وأن تغدُوَ كابوساً يُؤْرقُ السمعَ والبصرَ والإحسَاسَ معاً!
***
ويتجسد هذا (الكابوس الثقافي) في التالي:
1- غُلوُّ بعض قَنَوات الإعلام، والصحف الخاصة، في رصْدِ وتحليل وقائع الحدث الرياضي، والتعليق عليها تعْليقاً يسْتعيرْ من قاموس الحرب بعضَ مفْرداتِه، وهو ما أشار إليه ساخراً الكاتب المبدع الدكتور/ أحمد الربعي، حدّةً في حديث له بعنوان (حرب الخليج الثالثة)!
***
أننّا نقرأُ ونسمعُ أحياناً ما تنفثه أقلامُ وحنَاجر بعض الأخوة الإعلاميين المهتمين بالشأن الرياضي، ونَتسَاءلُ: أهي مباراةٌ بين أنْداد غايتُها الترفيه، أم (منازلةٌ) بين أضْداد قد تنتهي بكسر الأعناق؟!
***
نعم، إن لكرة القدم سِحْراً يفتنُ معظمَ الناس في كل مكان.. لا فرق في ذلك بين لاعبها ومتابعها، وما نشهدُه الآن.. من مظاهر الحماس في الوسط الرياضي، ليسَ استثناءً من هذه القاعدة، بل تأكيد لها، وليس في هذا ضيرٌ، ما دام الحماسُ ملتزماً بأهداب الخلق السويّ!
***
لكن هناك فرقاً بين حماس يَسيِّره العقلُ ويباركه الخُلقُ، وآخر ينْأَى بالمرء عن نفسه ومَنْ حوله وما حوله، ويصرفُ وعيَه إلى شيء من اللاْوعي، قَولاً وعملاً، وأزعم هنا أن بعضَ قنوات «الصحافة الرياضية»، مكتوبةً ومرئيةً ومسموعةً، متهمةٌ أحياناً باستنفار المشاعر قبل وأثناء وبعد الحدث الرياضي، مستخدمةً في سبيل ذلك (قذائفَ) من القول، يتلقّفُه سمْعُ الجمهور الشاب، فيزْدادَ حماساً، وتشْتدُّ ظاهرةُ (مع) و(ضد)، لتُنشِئَ أحياناً هُوةً نفسيةً بين الأطراف المعنيّة وغير المعنيّة بالشأن الرياضي، وقد تُفْرزُ آثاراً لا تُحمَد عقبَاها!
***
2- وللجمهور المتابع للحَدَث الرياضي نصيبٌ كبير من العتب في هذا السياق، لأنّ شريحةً كبيرةً منه، تَتَعامل مع الحدث، انتصاراً كانت نتائجُه أو انكسَاراً، بغلوٍّ يسيّره الحماسُ تشيّعاً لهذا الفريق أو ذاك، وقد يُترجَمُ الحماسَ بعصبيّةٍ يشترك في التعبير عنها اللسَانُ.. وربّما اليدُ، فتتَحوّلُ مشاعرُ الفرحة بالانتصار أو الخيبة بالهزيمة إلى تظاهرة من العبث والفوضى، وينمّو الشعورُ بالألم والحرجُ حين يكون منتخبُ المملكة طرفاً منافِسَاً مع منتخب دولة شقيقة أو صديقة، ويبدُو وكأَنْ الحماسَ قد اتخذ مساراً يعيدُ إلى الذهن عنتريات (داحس والعبراء)!
***
مَنْ المستفيد بذلك؟!
لا أحد!
من الخاسر نتيجة لذلك؟!
كلّنا جميعاً.. بدءاً باللاعب، مروراً بفريقه.. فالجمهور ثم.. الوطن تمثلهُ الأغلبيةُ الصَّامتةُ التي لا ناقة لها ولا بعير في ممارسة تلك (الشعوذة) الرياضية اللاَّمسؤولة!
***
وبعد..
فإنّ الرياضة، كما أسلفت القول، وسيلةُ تثقيفٍ وتهذيبِ وتربيةِ، لا معولُ هدّم وحقّنٍ للنفوس بالخلاف، وإذا كنّا نقولُ في أدبياتنا، إن الرياضة تنجَح فيما تفْشَلُ فيه السياسة، لأنها (أي الرياضة) تجمَعُ ولا تفرّق، وتقِّربُ ولا تُبعدُ، فلماذا نُهدِرُ هذا المبدأَ في حلبة السَّفهِ باسم الحماس؟!

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved