ملايين الريالات تصرف سنوياً على قطاع الرياضة والشباب إيماناً من الدولة بأهمية الدور الذي تمثله الرياضة في حياة الشباب ورسم سلوكياتهم واتجاهاتهم حتى أضحى هذا القطاع وفي سنوات وجيزة واحداً من أنجح القطاعات وأكثرها نمواً وأميزها إنجازاً.
إلا أن نشاطاً مهما مثل كرة القدم التي تعد أبرز فعاليات رعاية الشباب وأكثرها شعبية وجمهوراً ليس في المملكة فحسب بل على مستوى العالم تعرضت لعوامل سلبية جعلت جمهور الكرة المحلي في طريقه لهجرها وبالتالي تحول الشباب عن ممارسة ومتابعة هذه الرياضة إلى مجالات أخرى سيفرغ فيها طاقته ويمضي بها وقت فراغه وسيوجه لها اهتمامه.
فملايين الريالات التي صرفت من أجل كرة القدم في سنوات عبر بناء أجيال مهمة بالكرة وشغوفة بها وبمتابعة أحداثها هي الآن تهدم تحت مسمى «التشفير» وبيع حقوق النقل التلفزيوني!!
ولأن الموضوع لدينا في المملكة ليس كرة قدم فحسب بل أكبر من ذلك وأهم فإن مسؤولية إعادة الكرة إلى الواجهة وإعادة الجماهير والمتابعين للمدرجات لم تعد مسؤولية الرئاسة العامة لرعاية الشباب ولا مسؤولية وزارة الإعلام وجهاز التلفزيون وحدهما بل مهمة وزارة الداخلية هذه المرة والتي لا بد أنها لن تقف سلباً أمام عجز أصحاب المسؤولية المباشرة عن فك «تشفير الكرة» وإعادتها للساحة من جديد.
ففي بلد مثل بلادنا تمثل الكرة واحداً من أهم المتنفسات الشبابية القليلة والقليلة جداً المقبولة اجتماعياً ودينياً لذلك فإن إغلاق هذه النافذة أو تضييقها سيعني تسرب الجمهور لمجالات أخرى ستطال سلبياته وويلاته الوطن كافة وستتحمل وزارة الداخلية بالطبع وزر متابعته وعلاجه ومواجهته كما هو الحال في كل شأن داخلي أياً كان نوعه.
وإذا كانت الدولة قد حرصت على إشغال أوقات فراغ الشباب بما لا يضرهم ولا يلحق الأذى بغيرهم من خلال الرياضة فإن حصار التشفير الذي لم يطل سوى الشباب ومتابعي الرياضة في المملكة لوحدهم قد حمل هؤلاء الصغار إما لمواصلة المتابعة ولكن عن طريق المقاهي والتجمعات المشبوهة بما تحمله من مخاطر الانحرافات السلوكية أو بهجر الرياضة والبحث عن البديل الذي قد يكون هذه المرة انحرافاً فكرياً قد يوصلهم لتجمعات إرهابية أو فكرية خطيرة وكلا الفئتين بالطبع ستتحمل وزارة الداخلية عبئهما وأضرارهما.
أما المتباكون على هجر الجماهير لمدرجات الملاعب وانحسار متابعة نشاطات الرياضة وتناقص أعداد مشجعي المنتخب ومن يتحدثون عن المواطنة وأساليب غرسها في نفوس الصغار والناشئة فعليهم أن يتساءلوا كيف لجمهور أن يشجع منتخب بلاده وهو محروم من مشاهدته؟! كيف تشارك دولة في كأس العالم وجمهورها يخضع للابتزاز والمساومة من أجل مشاهدة المنتخب؟! كيف تصرف الدولة مئات الملايين سنوياً من أجل الرياضة ثم تعجز عن دفع رسوم نقل تلفزيوني لبطولة أو مباراة؟! كيف تشتري قناة حكومية مسلسلات وأفلاماً وبرامج بمئات الملايين سنوياً، وتعجز عن إبرام صفقة شراء حق نقل مباراة تستطيع وبسهولة تسديد رسومها عن طريق الإعلانات المصاحبة لبثها؟! كيف وكيف وكيف وأسئلة أخرى ما زالت بلا إجابة ومحيرة بالفعل!!
أما المتحدثون عن انخفاض قيمة الاشتراك في القنوات المشفرة وأنها بمبالغ زهيدة أسوة بغيرها من الخدمات الأخرى فقد يكونون على حق في ذلك رغم أن المواطن قد أثقلته الرسوم والفواتير ولم يعد يحتمل المزيد ومع هذا فإن المسألة ليست في رسوم هذه القنوات فقط بل في المبدأ من الأساس فلا كل البيوت بها «دشوش» ولا كل الأسر تسمح بإدخال القنوات الفضائية حتى وإن كانت قادرة على دفع الرسوم والاشتراك كما أن الكثيرين لا يجدون ذلك الحماس الذي يدفعهم لجلب قنوات فضائية برسومها من أجل المنتخب وما لم تقدم له التسهيلات فلن يشاهد المباراة ولن يتيح لأبنائه فرصة متابعتها أو تشجيع المنتخب أو حب الوطن والمواطنة وحب العلم وشعار الوطن وستفقد الكرة لدينا هذه الأجيال الصغيرة المستهدفة بالطبع بعد أن تكون قد فرطت في الجيل الحالي الذي هو في طريقه لنسيانها وهجرها.
إن مبلغ صيانة أحد مباني الأندية أو أي مشروع من مشاريع الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو قيمة مسلسل تلفزيوني سيكفي بالطبع لشراء حق نقل مباريات المنتخب أو الأندية التي تلعب باسم الوطن ولذا ولأن الموضوع لم يعد موضوع كرة قدم وترفيه فقط فإنني أتطلع وأتوقع كواحد من أبناء هذا الوطن أن تشتمل ميزانيات رعاية الشباب ووزارة الإعلام هذا العام على بنود خاصة بمبالغ حقوق النقل التلفزيوني وإعادة ضخ الرياضة إلى المشاهدين والمواطنين نساء وشباباً وأطفالاً وتحويل المستثمرين والباحثين عن المادة والكسب الذين أقحموا استثماراتهم في الرياضة والرياضيين إلى ميادين استثمارية أخرى ليس لها تأثير سلبي على الوطن وشبابه ووقت فراغهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم ومستقبلهم.
|