Monday 15th december,2003 11400العدد الأثنين 21 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ومن مؤتمر إلى آخر «6» ومن مؤتمر إلى آخر «6»
عبدالله الصالح العثيمين

لم يمر في حياتي العلمية شهر تعدد فيه حضوري ندوات ومؤتمرات كشهر شعبان من هذه السنة. وقد تناول حديثي في الحلقات الخمس السابقة أشياء من جوانب تلك الندوات والمؤتمرات. وأظلّتني - كما أظلّت غيري من المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها - أفياء شهر رمضان الكريم الوارفة بكل ما فيه من بركة العبادة والعمل الصالح. وكان من بركاته ا لدائمة عليّ بالذات أن الاطمئنان الروحي، الذي يملأ جوانحي خلاله، يدفعني إلى تكثيف جهدي العلمي. ولم أنجز في الأشهر الثمانية السابقة له من هذا العام كما أنجزت فيه وحده. وأرجو أن يرى النور ما قمت به من إنجاز خلاله في غضون أشهر قليلة من الآن. على أن أملي الأكبر ورجائي الأعظم أن أكون من بين من أكرمهم الغفور الرحيم بالرحمة والغفران والعتق من النار.
وانقضت أيام عيد الفطر المبارك القليلة عدداً، المفعمة سعادة، بين ربوع جميلة أسرني عشقها؛ مرتع صبا، ومسرح تبادل كؤوس مودة مع أهل وأحبِّة أصدقاء. ثم أزف الترحل من تلك الربوع؛ مروراً بعاصمة الوطن الحبيبة، إلى مؤتمر له ما له من أهمية على المستوى الفكري العربي، وفي نفسي ما فيها له من مكانة. وهو المؤتمر الثاني لمؤسسة الفكر العربي. ولعلّ مما جعلني استعجل الساعات والدقائق للوصول إلى مقره أن انعقاده في بيروت؛ مقر هذه المؤسسة التي يرجو كل مخلص لأمته أن تحقق الأهداف المرجوة منها.
بيروت! وما أدراك ما بيروت؟
عاصمة وطن عربي صغير في مساحته، كبير في عطائه. وطن روضة من روضات الجمال؛ سهلاً وجبلاً وشواطئ. وطن جعل أهله منه مركز الحرية الفكرية في عالمنا العربي الممتد من الخليج إلى المحيط، وطن أبى إلا أن يكون منطلق الإنسان الجسور؛ مستقراً أو مهاجراً إلى مختلف بقاع الأرض؛ مثبتاً وجوده أينما حل وارتحل. وطن قدّر أن يكون مهد إبداع شعري لو لم يكن من براهينه إلا الأخطل الصغير لكفى. وهل يملك المرء إلا أن يعترف، ويفتخر، بعظمته وهو الذي لم تتوقف عجلة طباعة الإنتاج الفكري والثقافي بين ربوعه حتى في أحلك أيام محنته خلال الحرب الأهلية الطاحنة المؤلمة؟ بل هل يملك المرء إلا أن يعترف، ويفتخر، بعظمته وهو الذي برهنت مقاومته الباسلة على أن من المملكن دحر الجبروت الصهيوني وتحرير التراب الوطني من احتلاله في وقت استمرأ كثيرون - رغم ما يملكون من امكانات - اليأس والذل؟ وأعود إلى الحديث عن مؤتمر مؤسسة الفكر.
كان مؤتمر المؤسسة الأول قد عقد في القاهرة خلال شهر شعبان من السنة الماضية. وإضافة إلى الكلمات التي ألقيت في حفل افتتاحه تناولت جلساته العشر عشرة موضوعات هي:
1- نحو علاقة عادلة بين العرب والغرب.
2- ماذا لو فشل خيار السلام؟
3- تكامل الاقتصاد العربي وأسباب الفشل.
4- التعليم العربي: الواقع والمستقبل.
5- الشورى والديموقراطية: رؤية معاصرة.
6- الديانات السماوية والهوية العربية.
7- المعالجات الإعلامية للمشكلات العربية.
8- متى يصبح العرب منتجين للتقنية؟
9- إسهام المرأة في الفكر العربي.
10- اللغة العربية وروح العصر.
وقد ذكرت الأمانة العامة للمؤسسة أنه قد أريد أن يكون ذلك المؤتمر «منبراً للحوار بين المسؤولين والمفكرين والمثقفين والمهتمين من المدارس الفكرية المتعددة».
ثم جمعت ما قدمه الباحثون والمشاركون فيه «للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بهدف إرساء أسس حوار فكري حضاري يخدم التضامن والنهضة العربية، ويفتح المجال أمام الكثيرين للمبادرة إلى تقديم أطروحات تصب في مصلحة الأمة العليا».
وحسناً فعلت تلك الأمانة بطباعتها بحوث المؤتمر والكلمات التي ألقيت فيه، ونشرها، لما يجده القارئ بين طياتها من فائدة.
أما المؤتمر الثاني الذي عقدته مؤسسة الفكر العربي في بيروت، فقد اختير له عنوان «استشراف المستقبل العربي»، وأشير إلى أن من أهدافه استخلاص رؤية مستقبلية للاستفادة منها لتكوين مشروع نهضوي عربي شامل؛ آخذاً في الاعتبار ما يتعرض له الوطن العربي من تحديات، وما للعلاقات العربية الدولية من دور في تشكيل المستقبل العربي.
وكان مما ميّز الإجراءات التي اتخذت لعقد المؤتمر:
1- ان المؤسسة عمدت إلى التعاون مع الجامعات اللبنانية المتعددة لإظهار المحاور التي تناولها بالصورة التي قدمت بها.
2- إشراك الشباب في كل محور من محاور المؤتمر.
3- تخصيص محور للشباب للتأكيد على دورهم في مستقبل الأمة.
وكان من الإجراءات الموفقة الجيدة التي اتخذت مدُّ الجسور إلى جهات مختلفة لتساهم في دعم المؤتمر ورعايته. وتنوعت هذه الجهات بين مؤسسات رسمية لبنانية داعمة مكونة من أربع وزارات وأربع جامعات، وشركات طيران ووسائل إعلام وبنوك راعية.
أما فعاليات المؤتمر ذاتها فتكونت من عشر جلسات؛ إضافة إلى حفل الافتتاح، وكانت الجلسة الأولى بمثابة تمهيد لمحاور المؤتمر الأساسية؛ وعنوان الحديث فيها: «مراجعة الوضع العربي الراهن». وكانت الجلسة الأخيرة؛ أي الجلسة العاشرة، تحت عنوان «رؤية الشباب العربي للقضايا العربية المعاصرة». وقد عبّر فيها الشباب؛ فتياناً وفتيات، عن آرائهم تجاه هذه القضايا.
وتكوّنت المحاور الأساسية في المؤتمر من ثمانية موضوعات هي:
1- المستقبل السياسي العربي.
2- المستقبل الثقافي العربي.
3- المستقبل الاجتماعي العربي.
4- المستقبل الاقتصادي العربي.
5- مستقبل العلاقات العربية الأمريكية.
6- مستقبل العلاقات العربية الإفريقية.
7- مستقبل العلاقات العربية الأوروبية.
8- مستقبل العلاقات العربية الآسيوية.
ومن الواضح أن جوانب من هذه الموضوعات سبق أن تطرق إليها في المؤتمر الأول الذي انعقد في القاهرة. وهذا أمر كثيراً ما حدث في مجال الحديث عن المسائل الفكرية والثقافية.
وكان مما ميّز مؤتمر المؤسسة الثاني في بيروت؛ إضافة إلى محاوره الثمانية، وجلسته الأولى التي تعرّضت لوضع الأمة العربية الراهن، وجلسته الأخيرة الخاصة بالشباب، ما يأتي:
1- هدوء الحوار فيه مما يبشّر بمستقبل حواري حضاري متجدد النجاح.
2- مساهمة أوروبا في فعالياته من خلال الكلمة التي ألقاها على المؤتمرين عبر التلفزيون الرئيس الفرنسي شيراك.
3- حضور أحد القادة العرب الكبار إليه - وهو الرئيس الجزائري عبدالعزيز بو تفليقة - وإلقاؤه محاضرة تحليلية تنم عن إدراك عميق لمجريات الأمور.
4- تحدّث رئيس وزراء لبنان - رفيق الحريري - فيه، وتقبله جميع الأسئلة الصريحة التي وجهت إليه.
ويمكن القول باختصار ان المؤتمر الثاني لمؤسسة الفكر العربي كان أكثر نجاحاً من مؤتمرها الأول. والمؤمل أن يكون مؤتمرها الثالث في الرباط أكثر نجاحاً، وأوفر عطاء، وأوسع مجالاً للنقاش المثمر.
ولعلَّ مما يساعد على تحقق ذلك:
1- تقليل الموضوعات المتحدث عنها بحيث يتاح للباحث عشرون دقيقة يعرض فيها ما قام به وتوصّل إليه، ويتاح للمكلف بالتعقيب عشر دقائق يبرز فيها ما يراه من وجوه القوة وجوانب الضعف في البحث.
2- إعطاء وقت أطول بين الجلسة التي تنتهي ظهراً والجلسة التي تبدأ بعدها؛ وذلك لتجديد نشاط الجميع؛ باحثين ومعلّقين.
3- إعطاء الأولوية في الحديث للموضوعات الخاصة بالاقتصاد والتقنية.
والله ولي التوفيق

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved