* بغداد حميد عبد الله:
إذا كان نظام صدام حسين قد اقترن بظاهرة زوار الفجر الذين يطرقون أبواب المنازل فجرا ليقتادوا ضحاياهم الى دهاليز الأمن او أقبية الموت في زنزانات المخابرات فأن عهد مابعد صدام اقترن بظاهرة الملثمين باليشامغ الحمر الذين يتربصون بضحاياهم عند رؤوس الأزقة او في منعطفات الطرق لينفذوا فيهم حكم الموت الذي لم تصدره محكمة ولم تصادق عليه هيئة قضائية ولم يقره قانون او يعترف به عرف او دين فالإنسان «هو زرع الله في الأرض ملعون من قطعه» كم يقول الحديث القدسي فمن له الحق ان يحم على ذلك الزرع بالقطع؟ إنها ظاهرة الاغتيالات في العراق التي تنفذها فرق منظمة تابعة لأحزاب وحركات سياسية تمارس الثأر والانتقام من غير رادع او حسيب او رقيب.
فبين الانتقام الثأري والانتقام السياسي تتواصل دوامة العنف وتصفية الحسابات في العراق مرة تحت غطاء «اجتثاث البعثيين» وتارة تحت يافطة «القصاص من القتلة».وليس هناك من معيار محدد وواضح يتم بموجبه توصيف الاشخاص المطلوب اغتيالهم او تصفيتهم، وليس ثمة جهة تتبنى اغتيال هذه الضحية او تلك فالجريمة تسجل ضد مجهول، والمنفذون ملثمون عادة باليشامغ الحمر!وبرغم ان معظم البعثيين من مستوى عضو فرقة صعودا فروا من أماكن سكناهم بعد ساعات من سقوط النظام العراقي السابق إلا ان بعضهم ظل ملاحقا وتم بالفعل قتل العشرات منهم كما تم أيضا اغتيال العشرات من المختارين الذين كانوا يزودون الأجهزة الامنية بمعلومات تفصيلية عن سكنة المناطق السكنية المسؤولين عنها بما يسهل على رجال الأمن القبض على المتهمين بيسر وسهولة وبدلالة وارشاد اولئك المختارين.
وهناك صنف آخر من ضحايا الاغتيال السياسي ويشمل أولئك الذين أدينوا بكتابة التقارير الى الجهات الحزبية والأمنية ضد مواطنين آخرين بما يؤدي الى الإيقاع بهم وانزال عقوبات قاسية بحقهم تصل الى الإعدام وقد وجدت هذه التقارير في ملفات الأجهزة الامنية وفي المنظمات الحزبية التي استبيحت من قبل المواطنين بعد سقوط النظام.مايتداوله الشارع العراقي اليوم هو وجود قائمة تضم 1600 شخص من عناوين النظام السابق سواء الحزبية او الامنية، وهذه القائمة باتت تتداولها الأيدي من غير ان يعرف أحد على وجه الدقة من هي الجهة التي أصدرت هذه القائمة ومن سيقوم باغتيال من ضمتهم تلك «القائمة السوداء».ومن بين الأسماء المشمولة بحكم الموت جميع المحافظين في عهد النظام السابق وهم 15 محافظا إذا استثنينا المحافظات الكردية الثلاث، يضاف إليهم أمناء سر الفروع الحزبية الذين يربو عددهم على 120 شخصا ومعهم مديرو الأجهزة الامنية في بغداد والمحافظات وتضم القائمة أيضا أسماء الوزراء في آخر تشكيلة وزارية في حكم صدام حسين وعدد من الوزراء السابقين والاسبقين، والغريب ان ثمة أسماء لاتحمل عناوين ومواقع رسمية في الحزب والدولة وقد كتب أمام أصحابها عبارة «بعثي مجرم»!معظم الاغتيالات او جميعها تقريبا وقعت في المناطق الشيعية في حين لم تسجل في المناطق السنية حالة اغتيال واحدة بل ان عددا غير قليل من عناصر الأمن والمخابرات لجأوا الى محافظات الرمادي ديالى وتكريت التي تحولت الى ملاذ آمن للمطلوبين في قوائم الانتقام الثأري.وحتى في مدينة بغداد فان معظم حالات الاغتيال وقعت في الأحياء الشيعية والتفسير الوحيد لهذه الظاهره يكمن في ان الشيعة هم الأكثر تضررا من الأجهزة التنفيذية للنظام السابق سواء الامنية منها او الحزبية لذلك نجدهم الأكثر اندفاعا في الانتقام والثأر، وحتى حالات الاغتيال التي وقعت في مناطق سنية من العاصمة فان منفذيها قدموا من حزام بغداد الشيعي كما حدث في منطقتي اليرموك والغزالية في بغداد حيث تم اغتيال أربعة أشخاص في الغزالية في غضون الأسابيع الثلاثة الماضية فضلا عن مقتل مدير أمن الكرخ في منزله في اليرموك في مطلع شهر كانون الاول الجاري.اللافت ان أحدا من الأحزاب والحركات السياسية التي يرجح الشارع العراقي ضلوعها في الاغتيالات لم يعترف او يتبنى عملية اغتيال واحدة حتى لو كانت ضد عتاة البعثيين او اكثر عناصر أجهزة الأمن إجراما، فيما يتحدث الشارع العراقي عن خمس فرق للاغتيالات تابعة لأحزاب وحركات سياسية دينية وعلمانية وان أحد هذه الفرق الموجودة في مدينة البصرة تقتل بمجرد الاشتباه لتمارس «الأمن الوقائي» بأكثر أشكاله تطرفا.
وحتى يختفي ذوو اليشامغ الحمر من الشارع العراقي تبقى دوامة العنف ودورة الثأر والقتل متواصلة من غير ان يفلح أحد في إيقافها او وضع حد لعنفوانها.
|