|
|
ربما لم يتفق الناس حول موضوع ما مثل اتفاقهم على أن محور أزمة المجتمعات المعاصرة هو الإعلام، أو أن «مشجب» المتحاورين حول الأزمات هو الإعلام، وقد جعلتني هذه الحقيقة أعود بالذاكرة قليلاً، حيث إن والدي - رحمه الله - لم يكن معترضاً تماماً على التحاقي بقسم الإعلام حينذاك، إلا أنه لم يكن متحمساً لتلك الفكرة، فقد كان يكثر من مقولته المشهورة «عيش مهوب لك لا تحضر كيله». وكان يعني بتلك المقولة أن لا ينشغل أبناؤه بما لا يعنيهم، فلا مصلحة لأحدهم من حضور كيل أحد الباعة لقمح يشتريه في نهاية الأمر آخرون، وكان - رحمه الله - يعتقد أن الإعلامي «ملقوف»، ترتبط وظيفته الأساس بالخوض في خصوصيات الناس والمجتمعات، ولم يكن يريد لأحد أبنائه أن يكون كذلك، غير أن ذلك التوجه لديه لم يكن يروق لي تماماً وأنا ابن الثامنة عشرة والعشرين ولم أكن أعرف ما يعنيه تماماً رحمه الله.. ولكن بعد أن كبرت بي السنون علمت مغزى تلك العبارة وفهمت ما كان يقصده والدي بهذا التوجيه الأبوي الحكيم. لقد كان يعني - ضمن ما كان يعني - أن على الإنسان أن ينشغل بما يعنيه، وأن يدع للآخرين شؤونهم يتولونها دون مزاحمته لهم أو تطفله عليهم، وكان ينطلق - رحمه الله - في تلك المقولة من تقييمه لما كان يلحظه من ممارسات بعض الإعلاميين في عصره الذين نحو بالوظيفة الإعلامية منحى هو أقرب «للقافة» منه للمهنية الإعلامية المتخصصة. ولو كان جل الإعلاميين مهنيين حقاً لما أثاروا حفيظة والدي - رحمه الله - ولا غيره ممن كانوا يحملون الرأي نفسه. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |