Saturday 13th december,2003 11398العدد السبت 19 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الإعلام.. مشجب الأزمات المجتمعية
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

ربما لم يتفق الناس حول موضوع ما مثل اتفاقهم على أن محور أزمة المجتمعات المعاصرة هو الإعلام، أو أن «مشجب» المتحاورين حول الأزمات هو الإعلام، وقد جعلتني هذه الحقيقة أعود بالذاكرة قليلاً، حيث إن والدي - رحمه الله - لم يكن معترضاً تماماً على التحاقي بقسم الإعلام حينذاك، إلا أنه لم يكن متحمساً لتلك الفكرة، فقد كان يكثر من مقولته المشهورة «عيش مهوب لك لا تحضر كيله». وكان يعني بتلك المقولة أن لا ينشغل أبناؤه بما لا يعنيهم، فلا مصلحة لأحدهم من حضور كيل أحد الباعة لقمح يشتريه في نهاية الأمر آخرون، وكان - رحمه الله - يعتقد أن الإعلامي «ملقوف»، ترتبط وظيفته الأساس بالخوض في خصوصيات الناس والمجتمعات، ولم يكن يريد لأحد أبنائه أن يكون كذلك، غير أن ذلك التوجه لديه لم يكن يروق لي تماماً وأنا ابن الثامنة عشرة والعشرين ولم أكن أعرف ما يعنيه تماماً رحمه الله.. ولكن بعد أن كبرت بي السنون علمت مغزى تلك العبارة وفهمت ما كان يقصده والدي بهذا التوجيه الأبوي الحكيم. لقد كان يعني - ضمن ما كان يعني - أن على الإنسان أن ينشغل بما يعنيه، وأن يدع للآخرين شؤونهم يتولونها دون مزاحمته لهم أو تطفله عليهم، وكان ينطلق - رحمه الله - في تلك المقولة من تقييمه لما كان يلحظه من ممارسات بعض الإعلاميين في عصره الذين نحو بالوظيفة الإعلامية منحى هو أقرب «للقافة» منه للمهنية الإعلامية المتخصصة. ولو كان جل الإعلاميين مهنيين حقاً لما أثاروا حفيظة والدي - رحمه الله - ولا غيره ممن كانوا يحملون الرأي نفسه.
واليوم أجد أننا لم نزل بحاجة إلى مراجعة ممارساتنا الإعلامية لنزنها بميزان المهنية العالية والتخصص الدقيق، إن النظرة المتأنية تؤكد أن عدداً من الممارسات الإعلامية تسعى لتحقيق جملة من أهداف قصيرة المدى، لكنها لا يمكن أن ترقى لتمثل آليات حاسمة في مواجهة المشكلات المجتمعية. إن الإعلام أمانة في أعناق أهل الصناعة وأصحاب العلم والفن الإعلامي من الأكاديميين والمهنيين، فقد حان الوقت لهم لأن يكونوا أكثر عطاءً وحرصاً على المبادرة بمتابعة الأحداث والقراءة عنها وتكوين وجهات نظر صحيحة بشأنها وعرض وجهة النظر تلك من خلال كل الوسائل الممكنة، ولكن أيضاً حان الوقت لغير الإعلاميين أن يفسحوا المجال أمام أهل صناعة الإعلام ليقوموا بالواجب الوطني. إن محاولات أقطاب الاختراق الولوج من البوابة الإعلامية محاولات مستمرة، يدعمهم فيها ثغرات مهنية كبيرة يتشكل منها نسيجنا الإعلامي بشكل عام والإذاعي والتلفزيوني بشكل خاص، وبشكل أخص إعلام الإنترنت إنتاجاً واستخداماً. وما كان للمريدين أن يلجوا من هذا الباب لو أننا أثرنا في ذواتهم التردد والريبة من أن نكون بإعلامنا أقدر منهم وأبلغ في تحقيق الأثر، كما نحن بثوابتنا وبوحدتنا الوطنية.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved