Saturday 13th december,2003 11398العدد السبت 19 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
مراهق فوق الستين
عبدالله بن بخيت

كثير من الناس يظن ان هذه الكلمة مجرد مزحة أو وصف لحالات تجريبية لا يعرفها سوى علماء النفس. كنت كذلك إلى أن شاهدت رجلاً في إحدى سفراتي خارج المملكة. رأيته في مطعم وبدا من أشباهه انه سعودي ولكني لم أجد أي سبب يدعوني لفتح أي موضوع معه. يجلس على بعد طاولتين عني وما كنت في حاجة لفتح سواليف مع الناس في الخارج، كان فوق الستين، وتصرفاته الغريبة من جهة ثانية شدت فضولي له. كان شايب بكل المقاييس المتعارف عليها: صوت متحشرج وكأنه يخرج منازعة وقامة تريد أن تنحني دائماً وانطفاء في العين مع تجاعيد في أنحاء الوجه وتهدل شحمي صنع أكثر من ذقن تحت الذقن الأصلية. ولكن التفاتاته تبدو مخالفة لسكينة الكبر. يعبر عن نفسه بسهولة تفوق إمكانات سنه، وخاصة بالحركات. من سمات الشاب عندما يتحدث تتحدث معه يده ورجله وعيونه وخصوصا عندما يتحدث لامرأة. تراه يلقي بنفسه بعد كل كلمة كل ظهر الكرسي ثم يسحب نفسه مرة أخرى حتى أنني بدأت أتخيل ان هذا الشخص ربما كان شاباً كسا نفسه بمكياج رجل مسن. كان يتجاهل الجراسين الرجال. ينتظر حتى تكون الجرسونة المرأة حوله فيطلب منها ما يريد ولا يتركها فور ان ينهي لها طلبه بل يدردش معها شوي بكلمات غزلية خفيفة. لا تتركه الجرسونة إلا بضحكة رضا لتأتي بطلباته ثم تعود بسرعة واهتمام لتسمع بقية القصة أو النكتة. لم أعرف حتى الآن هل كن يتضاحكن عليه أم يتضاحكن معه. هل كن يستمتعن بحديثه أم كن يجاملن شيخوخته. ولكنه كان سعيداً مسفهلاً لا يناطحه سوى تيس شمشون الجبار. كان مكتسحاً. لا يبدو في الأفق أي عراقيل أمام أهدافه لأسباب كثيرة، منها أن كل الشباب في المطعم لا يعيرونه اهتماما لأنه خارج المنافسة حسب ظنهم. وأصحاب المحل لا يتوقعون منه مشكلة لكبر سنه. أنا الوحيد الذي توجس منه خيفة لأني أعرف ان رجلاً في سنه مفروض الآن أن يكون في الفراش. فالساعة بلغت الثانية فجراً. وأثناء مداخلاته الغزلية مع الجرسونات دخل شيخ ثان يبدو انه أكبر منه سنا واتجه إلى طاولة شيخنا المراهق وبدون مقدمات سلم الشيخان على بعضهما بطريقة الشباب الأمريكي، وهي خبط الكف ثم إعادة خبطها مرة ثانية بعد لي اليد من الخلف وإعادة خبطها مرة ثالثة وسمعت من صرختهما انهما يستخدمان كلمات إنجليزية لا يستخدمها سوى السود في أمريكا. من الواضح انهما ضليعان في اللغة الإنجليزية وواضح أيضا ان لغتهما الإنجليزية متخصصة في الشؤون القلبية والليلية والشوارع الخلفية.
أقرب الظن أنهما من خريجي أمريكا في السبعينيات، أو بعبارة أدق من شباب السبعينيات الذين بدؤوا الحياة من قاهرة «السح الدح امبو» عندما فتح السادات القاهرة للجميع ثم ابتعثوا إلى أمريكا ولكنهم لم يستطيعوا ان يعبروا الأطلسي دون التوقف طويلاً في كازابلانكا. بين القاهرة وكازابلانكا عجزوا عن التركيز على الدراسة حيث كانا مشغولين بما هو أجدى وأنفع، ولكنهما عادا بفصاحة وخبرة في أنشطة منتصف الليل.
لم تظهر على الثاني أي مراهقة. من تصرفاته الأولى بدا ان المراهقة ستكون سن العقل بالنسبة له.. فالمراهق حسب علمي وخبرتي القديمة يتسم بشيء من المجاملة. بعد قليل من المداولات الهامسة سمعته أي الثاني يقول لصاحبه المراهق: يا أخي ما لقيت إلا هذي تخدمك شف اللي هناك، وراح يؤشر على جرسونة في الطرف الثاني من المطعم. فقال له صاحبه المراهق: غصباً علي، فقال الشيخ اليافع: يا أخي مفروض انك يوم شفت ان هذي هي اللي بتخدم في هذا القسم كان مفروض غيرت طاولتك. يا الله شفك ورطتنا مع ها الشينة. لا أبوك لا أبو اللي يجي معك. وبعد ثوان من الصمت عاد ليقول: يا أخي ثاني مرة إذا دخلت مطعم أو صالة خلك واقف وراقب وين الزينة تخدم فيه ورح أجلس.. هذي ما يبي لها شيء. قلت في نفسي: لا والله يبي لها. أنا لي أكثر من ثلاثين سنة وأنا أدخل مطاعم لم أفطن إلى هذه النصيحة العصماء؟

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved