في تلك اللحظة المؤلمة، احتارت الدموع في العين، وتوقف الجفن عن الحركة، وباتت نفسي في لحظة من التأمل والتفكر في هذه الدنيا الفانية التي لا تعرف للبقاء معنى مهما كانت قيمة الإنسان وصفاته ودوره في الحياة.. في لحظة وصول خبر وفاة الشيخة منيرة بنت محمد الملحم مرت أمامي الكثير من الذكريات واللحظات التي لاتنسى.. فجالت في مخيلتي صفات الشيخة ومميزاتها الإنسانية النادرة.
فرحمك الله أم فيصل قدر ماتواضعت روحك للناس، رحمك الله قدر ما وقفت وتعاطفت معهم لمجرد إحساسك بأن الحق معهم وأنهم بحاجة إلى من يقف بجانبهم.. لقد كنتِ مثالاً حياً للمرأة المثالية في كل شيء.. فتعاملت مع بقية الناس بكل احترام وتقدير، لم تكن في نفسك نظرة التكبر والاستعلاء، ولم نجد فيك حب الذات ومحاباة النفس في أي أمر من الأمور، كم كنتِ رائعة وأنتِ تتعاملين بروح مرحة مع الصغير والكبير.. وكم كنتِ طيبة وأنتِ تجتمعين بالنساء في منطقة الجوف فتستمعين لكل رأي بلا تهاون.. وتقدمين النصيحة للصغار والكبار..
أم فيصل.. لقد أجبرت الجميع على احترامك دون إكراه منك؛ بل بروحك الشفافة القريبة من الناس.. القريبة من كل من تعاملت معهن سواءً في حلقات الاجتماعات، أو في المناسبات التي لم تكوني بعيدة عنها، فأنت من شاركت الناس همومهم وأفراحهم وأتراحهم، فكنت بحق مثال الأم الحنون للضعفاء والمساكين والمحتاجين..
ماذاأقول في رثائك أم فيصل؟ وها هي الذكريات تمر أمام عيني الآن وأنا أراك توجهين هذه وتتحدثين مع تلك.. أراك تمسحين دمعة هذه وتشجعين تلك.. متجولة في حدائق الإنسانية الصادقة الرقيقة، الإنسانية التي جعلت منك إنسانة محبوبة من الناس..
وصدق الله العظيم حين قال: {كٍلٍَ نّفًسُ ذّائٌقّةٍ پًمّوًتٌ }.. وهذه سنته في أرضه، موت وحياة..سعادة وشقاء.. وليس لنا والله إلا الصبر على مصيبة الموت - كما أمرنا الرب جل وعلا-، وعزاؤنا في مثل هذه المصيبة أن الشيخة منيرة قد أورثت الناس أبناءً وبنات نتوسم فيهم الخير -إن شاء الله- وسوف نراهم سائرين على دروب الخير التي سارت عليها والدتهم من قبل، مكملين سيرة البذل والإنسانية التي لن تموت حتى وإن ماتت الأجساد ووارى جثمانها التراب تحت باطن الأرض.
فإلى رحمة الله أم فيصل.. إلى رحمة الله الذي وعد أهل الخير بجزيل الثواب يوم اللقاء.. وستظل أيدينا مرفوعة إلى المولى -جل وعلا- بأن يسكنك الجنات الفسيحة، وأن يبدلك حياة خالدة خيراً من هذه الحياة..
{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
|