جعل الله هذه الدنيا لنا سوقاً يغدو إليها الناس ويروحون منها، فبائع نفسه فمعتقها او موبقها وإنما يظهر الفرقان ويتجلى الربح والخسران {يّوًمّ يّجًمّعٍكٍمً لٌيّوًمٌ الجّمًعٌ ذّلٌكّ يّوًمٍ التَّغّابٍنٌ} .
احبتي الكرام! تذكروا جميعاً أن الأيام أجزاء من العمر، ومراحل في الطريق إلى المستقر، تفنونها يوماً بعد يوم، ومرحلة تلو اخرى بقرب الآجال، وغلق خزائن الأعمال، إلى حين الوقوف بين يدي الكبير المتعال.
{يّوًمّ تّجٌدٍ كٍلٍَ نّفًسُ مَّا عّمٌلّتً مٌنً خّيًرُ مٍَحًضّرْا ومّا عّمٌلّتً مٌن سٍوءُ تّوّدٍَ لّوً أّنَّ بّيًنّهّا وبّيًنّهٍ أّمّدْا بّعٌيدْا ويٍحّذٌَرٍكٍمٍ اللَّهٍ نّفًسّهٍ واللَّهٍ رّءٍوفِ بٌالًعٌبّادٌ } نعم في أيام قليلة مضت كنا في شهر رمضان، شهر البركات والخيرات، شهر مضاعفة الأعمال والحسنات، كنتم تصومون نهاره، وتقومون ما تيسر من ليله، وتتقربون إلى ربكم سبحانه بفعل الطاعات، وهجر المباح من الشهوات، وترك السيئات والموبقات، ثم مضت تلك الأيام وقطعتم بها مرحلة من مراحل العمر، والعمل بالختام، فمن احسن فليحمد الله وليواصل الإحسان، ومن أساء فليتب إلى الله، وليصلح العمل مادام في وقت الإمكان، فليس للمؤمن منتهى من العبادة دون الموت {واعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ } .
نهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته ليست مقصورة على رمضان، بل لا ينقطع مؤمن من صالح العمل الا بحلول الاجل، فان استدامة الطاعة، وامتداد زمانها نعماً للصالحين، وقرة أعين للمؤمنين، وتحقيقاً لأمل المحسنين، يعمرون بها الزمان، ويملأون لحظاته بما تيسر لهم من خصال الإيمان التي تثقل بها الميزان، ويتجمل بها الديوان وفي الحديث «خير الناس من طال عمره وحسن عمله».
ألا وإن لقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها وتكميلاً لها وتوطيناً للنفس عليها حتى تصبح من سجاياها، وكرم خصالها، وأتبعوا السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها وضررها {إنَّ الحّسّنّاتٌ يٍذًهٌبًنّ السَّيٌَئّاتٌ ذّلٌكّ ذٌكًرّى" لٌلذَّاكٌرٌينّ} .
ومازال بعد رمضان: تهجد وصلوات، وذكر، وتسبيح، وجود وصدقات، وأذكار ودعوات، وضراعة وابتهالات.
ولابد للعبد أن يصلح قلبه ويحسنه لله تعالى حتى يجد لذة العبادة والأنس والطاعة.
فالأيام خزائن للناس، ممتلئة بما خزنوه فيها من خير وشر، وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها، فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة، والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة.
غداً توفى النفوس ما كسبت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
فإن أحسنوا احسنوا لأنفسهم
وان اساءوا فبئس ما صنعوا
|
واخيراً لا انسى ان اذكر احبتي الكرام:« بصيام ست من شوال».
عن ابي ايوب - رضي الله عنه - ان رسول الله صلى عليه وسلم قال:
«من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر».وفق الله الجميع
|