يقول المثل: «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»، ومثل آخر يقول: «العجلة من الشيطان». هذا ما تعطينا إياه الذاكرة الشعبية التي قلما يأتي رصيدها عن عبث، فلولا الأحداث والتراكمات الكثيرة عبر التاريخ والتي كانت محصلتها وجود ضرر من جراء التسرع والعجلة لما كانت تلك الذاكرة قد أفرزت هذا المثل أو ذاك، فالمثل هو حصيلة فعل اجتماعي متكرر وقابل للتكرار في المستقبل، وهذا الفعل خاضع لفعل التشجيع أو التثبيط، فالضار منه منبوذ، والنافع منه محمود، ولو نظرنا من هذه القاعدة التي بنينا عليها - وهي قاعدة احتمالية - صواب المثل، لوجدنا تطبيقها الفعلي موجوداً، فأنت في سيارتك مثلاً سرعتك الزائدة قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، والمسؤول الذي يتسرع في قراره قد يخطئ مرات أكثر من ذلك المتروي الهادئ، والطالب الذي يستعجل مذاكرته ويخرج من البيت ليلعب، قد يحرج بنتيجة في امتحانه، وأكثر من هذا أو ذاك هو الإنسان أي إنسان يتعجل الغير من أجل إنجاز عمل فيأتي العمل بالشكل غير المقبول، أو يتعجل الناس لفعل حدث ما فيأتي الحدث على غير ما تشتهي الأنفس، أو يتعجل النتائج فيسمع ما لا يعجبه، أو تكون كما يقول أهل الشام «بصلته محروقة» لا يعرف الانتظار ويعيش لحظاته على أحر من الجمر وقد يأتي ذلك على معدته فتصاب بداء القرحة، وقد يرتفع ضغطه كما يقول الأطباء، وأكثر من هذا لا تجد إلا العبوس والتجهم على وجهه والتكشير على محياه، ووقوف شعر رأسه ومن ثم تساقطه والله أعلم، فالعجلة فعل غير محبذ في حياة الإنسان الخاصة والعامة.
ذهب رجل ليتسوق ولشدة عجلته اشترى ما وقعت عليه عيناه فكانت البضائع فاسدة، ودفع فكان السعر باهظاً واستأجر أجيراً فكان الأجير كَلاًّ على صاحبه، وحمل الحمولة بسيارة كانت ليست له، وأعاد تحميلها بسيارته وركب على عجل فصدم عمود الكهرباء وانتهت حياة سيارته، وأسرع للمستشفى يصرخ ويشتم الأطباء للإسراع إليه فتمت معالجته والكل غضبان، وبعد الضماد كسر ما استطاع كسره وخرج يركض مسرعاً لبيته فصدمته سيارة، فكسرت ساقه، وبعد أن تم تجبيرها لم يصبر على الجلوس فقام يمشي عليها فعادت وكسرت، وعاد... وعادت..
وهكذا حتى قال: لعن الله العجلة.. ولكن بعد طول صحبة.. ونحن نقول: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، ولا يجوز للعجلة أن تسيطر على أقوالنا أو أفعالنا أو أعمالنا أو أيامنا أو أحلامنا، وبطبيعة الحال لا نعني بالتأني تأجيل الأعمال والتكاسل في أداء الواجبات وإنما نعني به المبادرة إلى العمل بشيء من التعقل والوعي والإدراك فإن الإنجاز يتطلب استغلال الوقت على الوجه الأمثل فلا إهمال ولا تسيُّب، ولكن نشاط وحماس واندفاع وكل ذلك برويَّة وهدوء، والإنجاز يكبر ويكبر، والبسمة تزداد اتساعاً، والربيع بالتأكيد أكثر. والله ولي التوفيق.
|