يحكى أن مستثمرا يمتلك منشأتين: الأولى تعمل في مناخ احتكاري تنتج سلعة لا بديل لها، او لنقل أن بدائلها المتاحة غير كاملة. والثانية تعمل في مناخ تنافسي تنتج سلعة لها بدائل عدة في السوق. وفي نهاية السنة المالية يجتمع هذا المستثمر مع مديري الشركتين لمراجعة حسابات كل منشأة والاطلاع على اوضاعها المالية ومتابعة ادائها والوقوف على أرباحها واتخاذ القرارات اللازمة. وفي اجتماعه السنوي الاخير معهما، عرض عليه مدير المنشأة التي تعمل في سوق تنافسية اوضاع منشأته التي تأثرت بظروف المنافسة الشرسة في السوق وخرجت بخسارة صافية. وعندما جاء دور مدير المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري، انبرى في شموخ يسرد منجزات منشأته ويقدم نتائجها المالية مفاخراً بالأرباح الصافية التي حققتها خلال العام. وفي محاولة منه لتخفيف وطأة خسارة المنشأة الثانية على المستثمر صاحب المنشأتين، قال بنبرة فيها كثير من الثقة بأنه سيعمل جاهداً خلال العام القادم على تحقيق أرباح أعلى يعوض بها على المستثمر خسارته التي منيت بها المنشأة الثانية هذا العام.
انفضَّ الاجتماع وتفرغ المستثمر لاتخاذ القرارات اللازمة التي تكفل بقاء ونمو استثماراته. وبعد تفكير عميق اصدر المستثمر قراراً بفصل مدير المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري، وتجديد الثقة في المدير الذي يدير المنشأة التي تعمل في مناخ تنافسي. وعلل المستثمر قراره الجريء بأنه اذا كان بإمكان مدير المنشأة التي تعمل في مناخ احتكاري ان يرفع أرباحها في العام القادم، فلماذا لم يفعل ذلك هذا العام؟ وارتكز المستثمر في قراره على ان المدير القادر الذي يتراخى في تعظيم ارباح المنشأة التي يديرها لا يستحق الاستمرار في إدارتها. وقد كان قرار المستثمر نابعا من ادراك موضوعي لآلية تحقيق الارباح في ظل نظامي الاحتكار والمنافسة ومدى تأثر الارباح بآلية السوق وحسن الادارة واختلاف تأثيرهما بين سوقي الاحتكار والمنافسة، اذ يكون تأثير السوق في حالة المنافسة عنصرا مهما وحاسماً في مستوى الأرباح، بينما يمتلك المحتكر أدوات التحكم في السوق.
استرجعت ذاكرتي هذه «الحكاية» في خضم ما نقرأه من تصريحات لبعض المسؤولين الحكوميين الذين يديرون بعض الاجهزة الحكومية ذات الطابع التجاري الربحي التي ستخضع لبرنامج التخصيص المنتظرة، وهم يرددون القول بأن تخصيص أجهزتهم سيؤدي الى تحسين أدائها وقدرتها على تقديم خدمات افضل وتحقيق ارباح مجزية. نحن ندرك ان هذا القول حق يستند إلى حقيقة ان ادارة القطاع الخاص لمثل هذه الاجهزة الحكومية ذات الطابع التجاري الربحي ستحقق عمليا تلك النقلة في تحسين الاداء والقدرة على تقديم خدمات افضل وتحقيق أرباح مجزية. ولكن أليس بالامكان ان تحقق هذه الاجهزة الحكومية بعضا من هذه التطلعات، ان لم نقل كلها، بإدارتها الحالية؟ الا يمثل اخفاق بعض المسؤولين عن هذه الاجهزة الحكومية في تحقيق هذه التطلعات حالة من التسيب الاداري والمالي تتستر تحت ذريعة طبيعة الادارة الحكومية، او بعضها على اقل تقدير، عن تراخي المسؤول الاول عنها وغياب روح المسؤولية في العمل؟
نعود هنا الى قرار ذلك المستثمر الذي استخدم فكره ليقوِّم وضعا غير سوي. ألا يحق لنا ان نبحث عن هذا الفكر ونعمل به بدلاً من ان نحمِّل التخصيص أوزارنا؟ ألا يستحق الاقتصاد السعودي ان نتعامل مع فعالياته بجرأة وشفافية وموضوعية ونطبق على كل من يتراخى في أداء عمله قرار المستثمر لتذكرنا الأجيال القادمة بخير، وتقول.. يحكى أن؟
(*)رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض
|