من رأيي أن البشر يتفقون في أغلبهم على مجموعة من القيم والمبادئ التي تتلاءم مع فطرتهم السوية، وهذه القيم والمبادئ قد كانت موجودة منذ عهد أبينا آدم عليه السلام، وهي ما تتفق مع ما أنزل الله تعالى على رسله، وما قام به أنبياؤه عليهم السلام من تبليغ للرسالة بشقيها العقدي والأخلاقي، غير أن الإنسان عبر التاريخ قد دفعته رغبات الاستئثار بأن يميل عن تلك القيم النبيلة إلى ما سواها من قيم وأفكار دفعته إلى ظلم نفسه وغيره من المخلوقات الأخرى وتدمير بيئته، في الوقت الذي تعمل فيه أخلاقه الفطرية النبيلة على عمارة الأرض، وعبادة الخالق، مدفوعة بذلك العدد الكبير من الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم الذين يذكرون الناس ما نسوا، ويهدونهم إلى سواء السبيل.
وخلال تلك المسيرة الإنسانية منذ أن خلق الله أبانا آدم عليه السلام، حتى يومنا هذا، ظهرت بعض الأفكار والقيم والأخلاق التي أثرت تأثيراً كبيراً على سلوك الإنسان عبر مسيرته المديدة التي اختلف على مدتها وإن كان البعض يزعم أنها تعد بملايين السنين وهذا أمر يصعب تأكيده، وعلمه عند الله.
لقد كان الإنسان في بداية حياته يعيش منفرداً، لديه ما يغنيه من مأكل ومشرب بما يجده أمام ناظريه، ثم انتقل إلى حياة المجتمعات، وهنا اختلف سلوكه لبروز عنصر المنافسة ومن ثم حب الاستئثار والسيادة، وقد جره ذلك إلى تجاوز بعض قيمه وأخلاقياته الفطرية إلى خلافها لتكون ثمناً لحب الاستئثار.
وفي عصور ما بعد التاريخ تقاتلت الأمم وتنازعت فكان القتل والدمار والأسر والاستعباد والسخرة والامتهان، وتنوعت تلك الأشكال مع مرور التاريخ، ثم أخذ كل مجتمع معين ينهج مسلكاً من تلك المسالك غير الفطرية توارثها الأجيال مستفيداً مما لديه من أدوات قتل ودمار.
ولو عاد الإنسان إلى الرسالات السماوية وتمثل بها وقرأ الفلسفات الأخلاقية لتجنب الكثير من المآسي وعمّر الأرض خيراً مما عمّرها.
وفي العصور التي يزداد فيها الفكر وتبدأ الثقافة بالانتشار تقل الاجتهادات الفردية، غير أن بعضاً مما يتوق إلى الاستئثار، يستخدم فكره في تحقيق مناه غير آبه بما سيجر فعله من ويلات ومآسٍ يكتوي بنارها مجتمعه وأهله وذووه إضافة إلى غيره من الأمم.
وفي عصرنا الحاضر أصبحت التقنية متاحة لمن يفعل الخير ليوظفها في موضعها.
أما أولئك التواقون للاستئثار فإن بعضاً منهم يدفعون بعض أدواتهم البشرية لاستغلالها في قتل أنفسهم وقتل غيرهم ممن سواهم، ولقد علمنا التاريخ أن مثل هذه الأعمال المشينة البعيدة عن التعاليم السماوية السمحة لم تجلب نتيجة إيجابية لمثيريها ولم تحقق لهم هدفاً، وذلك لسوء المقصد، وبشاعة الأسلوب، ومع اليقين بأن هذه الأفكار زائلة لا محالة إن شاء الله فإنها ستترك بعض الآثار السلبية التي لا يستفيد منها أحد قط، سوى المتربصين من غير الفريقين.
|