قديماً قال الشاعر العربي الفصيح ما يعني أن العين جفَّت من كثرة البكاء على عزيز فارق أو حبيب رحل، دون أن يدرك هذا الشاعر، أن غياب الدموع فعلاً يصيب العين بمرض الجفاف ومضاعفاته، لكن كيف تغيب الدموع دونما بكاء؟ وكيف يحدث جفاف العين؟ وكيفية العلاج..
د. هشام أبو حسين استشاري جراحة العيون بمستشفى الحمادي بالرياض يجيب على هذه التساؤلات فيقول: يجب أولاً أن نعرف أن الدموع تتكون من ثلاث طبقات ولكل وظيفتها والغدد التي تفرزها، وهذه الطبقات هي الطبقة الزيتية السطحية وتفرز من خلال غدد موجودة بالجفن ووظيفتها منع تبخر الدموع وزيادة معدل التوتر السطحي وبذلك تظل الدموع في الوضع الرأسي بالعين بدون أن تنساب فوق الجفن وأيضاً لترطب العيون وتسهل حركة الجفون، ثم الطبقة المائية بالوسط وتفرز بالغدة الدمعية الأساسية التي تقع في الجزء العلوي الخارجي من محفظة العين تحت سطح الحجاج، وأيضاً الغدد الدمعية المساعدة وتسمى (كروز، ولفرنج) وتقعان في الانحناء العلوي والسفلي لملتحمة العين وغضروف الجفن وهي تزود القرنية بالاكسجين والمضادات الحيوية وتجعلها ذات سطح املس وتغسل اي اجسام غريبة او افرازات من القرنية والملتحمة، هذا ومما يجدر معرفته ان الغدد الدمعية المساعدة هي المسؤولة عن ترطيب العين ومنع جفافها، اما الغدة الدمعية الاساسية فتفرز الدموع فقط عند الانفعالات كالحزن والغضب وغيره، اما الطبقة الثالثة فهي الطبقة المخاطية الداخلية وهي طبقة رفيعة جدا وتفرز بخلايا الجوبلت من الملتحمة وهي تحول القرنية الى سطح محب للسوائل وبذلك تمتص الدموع، وبذلك لا تنكمش الدموع على هيئة نقط منفصلة، بل تصبح على هيئة شريحة ممتدة على القرنية والملتحمة. ويلزم لنشر الطبقة الدمعية على سطح القرنية ان ترمش العين بطريقة عادية وبمعدل مرة كل 40 ثانية وذلك لنشر المخاط من اسفل لأعلى لنشر الدموع عليه، كذلك الا يكون هناك نتوءات من ارتفاع وانخفاض لسطح القرنية لانها تؤدي الى عدم اتزان الجفن على القرنية، ويجب ايضا الا تكون هناك سحابات بالقرنية او خشونة بالطبقة الطلائية السطحية فلا يفرز المخاط اللازم لترطيب القرنية.
ويضيف د. هشام: ومن اسباب نقص الطبقة المائية او جفاف العين ضمور او تليف الانسجة الدمعية نتيجة ترسب بعض الاجسام المضادة الموجودة طبيعيا بالجسم، ويحدث ذلك على صورتين: الأولى جفاف القرنية والملتحمة دون عداها من أعضاء الجسم وذلك لإصابة الغدد الدمعية فقط، والثانية تعرف بمرض جوجرينز وهو من أمراض المناعة ويحدث جفاف العين مصاحباً لجفاف بالفم والأعضاء التناسلية وقد يكون مصاحباً بالتهابات المفاصل.
وبعيداً عن هذا فإن الغدة الدمعية يمكن أن تصاب بالضعف نتيجة التهاب مزمن أو عدم وجودها أساساً منذ الولادة أو اكتساباً نتيجة عمليات جراحية أو ما شابه، أو بسبب انسداد قنوات الاستخراج من الغدة الدمعية نتيجة تليفات الملتحمة أثناء مرورها بها.
ومن أسباب نقص الطبقة المخاطية وجود نقص في فيتامين (أ) الذي يغذي الطبقة الطلائية للملتحمة، حيث توجد خلايا جوبليت أو حدوث تليف الملتحمة ذاتها نتيجة الإصابة بأمراض التراكوما، الدفتريا، أو الإصابة بمواد كيميائية كالأحماض والقلويات وفي أمراض معينة للتليف مثل ستيفينز جونسون.
ويشعر مريض جفاف العين بتهيج، ويحس بوجود أجسام غريبة وبعض جزئيات مخاطية بالدموع وزغللة مؤقتة بالنظر وتزداد هذه الأعراض عند زيادة تبخر الدموع بسبب الحرارة الشديدة أو استعمال المكيفات والتعرض لتيارات الهواء أو القراءة الكثيرة، حيث تظل العين مفتوحة فترة أطول، ويزداد معدل تبخر الدموع.
وحول طريقة تشخيص المرض يقول د. هشام: عند الكشف على المريض يلاحظ وجود جزئيات المخاط هذه ونقص ارتفاع طبقة الدموع عند حافة الجفن وقد تختفي تماماً، أما القرنية فيرى بها خدوشات نقطية وبعض الأهداف المتعلقة بسطح القرنية من طرف واحد، وتتحرك مع حركة الجفن وتتكون من مخاط مغلف بخلايا القرنية ويمكن رؤيتها أفضل عن طريق صبغة (روزبنجال)، وهي صبغة تتخلل الخلايا الطلائية المتحللة عن سطح القرنية، وأيضاً المخاط عكس صبغة الفلوريسين التي تظل خارج الخلايا وتستخدم لتبيان أماكن جروح القرنية. وفي حالة الجفاف يظهر مثلثان من لون أحمر قاعدتهما تجاه القرنية على سطح الملتحمة.
وفي حالة عدم وجود ظواهر إكلينيكية واضحة يستخدم (اختبار شرمر) وهي عبارة عن شريط رفيع من الورق نشاف بطول 35 مليمتراً بعرض 5ملم يمكن تثبيتها بطول 5 مليمتر وتوضع هذه الورقة بين العين والجفن ويقاس طول الشريط الذي تم ابتلاله بالدموع مما يعطي مؤشراً عن كمية الدموع بالعين.
وعن العلاج الأمثل لجفاف العين يضيف استشاري جراحة العيون بمستشفى الحمادي: يبدأ أولاً في نصح المريض بأن يحافظ على درجة الدموع بالعين عالية بقدر الإمكان وذلك من خلال تقليل درجة حرارة الغرفة والحفاظ على درجة رطوبة كافية بالجو وعدم تعرض العين مباشرة لهواء المكيفات، حيث تجعل الجو جافاً فيزيد تبخر الدموع، ثم يعطى المريض أدوية مرطبة في صور قطرات أو مراهم على حسب سبب ودرجة الجفاف.
وهذه القطرات تقع في ثلاث مجموعات وهي مجموعة السيلولوز، وبولي فنيل الكحول ومركبة المخاط، وجرعة هذه القطرات تحدد على حسب حالة المريض، ويلاحظ أيضاً أنه يوجد ميزة محددة لكل قطرة عن الأخرى ويختار المريض ما يناسبه بناء على تجربته، وهناك أيضاً مراهم للترطيب تعطى قبل النوم، أما الجل فيكون من تركيبة شبه سائلة من بوليمرز عالي الوزن الجزيئي من حمض الأكريلك، ومن مزاياه أنه يمكث في محفظة العين لمدة ساعات ويذوب ببطء، كما توجد قطرات مذيبة للمخاط وذلك في حالة كثرته بالجفاف وبالإضافة إلى العلاج المباشر بترطيب العين، هناك طرق أخرى لزيادة درجة دموع العين على سبيل المثال اختزال تصريف الدموع من فتحة قنوات التصريف، إما بغلقها مؤقتاً وإما بصفة دائمة، بالإضافة إلى علاج الأمراض العامة التي تؤدي إلى الجفاف وأيضاً الأعراض الموضعية.
|