من المحال ترتيب شأن العالم بحيث يكون الجميع على قدم المساواة، وقد جاءت التعاليم الربانية لتحث البشر دولاً وجماعات على التعاون ليذهب فائض القادرين إلى المحرومين ويساعد الأقوياء الضعفاء من خلال جسور متعددة للتعاون والتكافل تترجمها الاتفاقيات الثنائية والجماعية وموجبات العلاقات بين الدول.
لكن التصرف بطريقة معاكسة يفرز مشاكل جمة أبرزها الحروب والصراعات المختلفة..
وتسعى الهيئات والمنظمات الدولية إلى اعادة ترتيب الأوضاع لإزالة أسباب الصراعات بالحد من الفوارق وتجسير الهوة بين الدول المتطورة وتلك النامية.
وتعتبر «قمة مجتمع المعلوماتية» التي بدأت أمس في جنيف من الآليات المستخدمة لردم الهوة القائمة..
ولا تخلو المسألة من حسابات سياسية عندما يتعلق الأمر بالمساعدات، فالذين يقدمون المساعدة يتطلعون في أحيان إلى مواطئ قدم في هذه الدولة أو تلك تساعدهم على ترسيخ نفوذهم في أحد الأقاليم الدولية أي أنهم يطلبون ثمناً.
كما أن حجب المساعدات يطول أولئك الذين يسلكون ضد هذه الدولة الكبرى أو تلك وإن كان سلوك الدولة النامية ينسجم ويتواءم مع مبادئها ولا ينطوي على أي تدخل في شؤون الآخرين.
وتتذرع بعض الدول الكبرى بأن تقديم المساعدات لردم الفجوة التقنية مع الفقراء بالقول إن الأموال المخصصة لهذا الأمر تضيع سدى وإن الفساد يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، غير أن هذا القول لا ينطبق على كل الدول، ولهذا فإن التعميم على كل الدول يطيح بالآمال المرجوة من مثل تلك المعونات.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور وجود عالم مثالي أو أوضاع مثالية في دولة نامية تعاني أصلا ًمن معوقات النمو والتطور، بل إن الأفضل هومساعدتها هذه الدولة للارتقاء بإمكانياتها وحثها على التسريع بمعدلات التنمية.
ومن الأمثلة على اللامعقول في هذا الصدد أن دولة أوروبية اشترطت على دولة إفريقية أنه لكي تزودها بأجهزة الحاسوب القديمة لديها ينبغي أن يكون لدى هذه الدولة الفقيرة منشآت للتعامل على تدمير الأجزاء الإليكترونية التي انتهت صلاحياتها وينبغي إعدامها.
ومن المهم الإشارة إلى أن تطوير معدلات النمو في مختلف أنحاء العالم يعني أن الفقراء سينفقون أموالاً أكثر لشراء التقنيات ومختلف الاحتياجات من الدول المتطورة وأنهم سيجنبون الدول المتطورة شرور الهجرات المنفلتة التي يتطلع من يقومون بها إلى الارتقاء بمستويات حياتهم.
إن التزاماً أكثر بمساعدة الفقراء من قِبل الأغنياء من خلال تحرك جماعي تدعمه إرادة سياسية قوية سيؤثر بطريقة إيجابية في الحد من الكثير من المشكلات التي تعاني منها الدول الفقيرة والتي تنعكس بشكل أو آخر على الدول التي نالت حظاً كبيراً من التطور.
|