الصحافية الايرلندية «فيرونيكا غرين» كتبت سلسلة من المقالات والتحقيقات، فضحت بها اسياد واباطرة المخدرات في المملكة المتحدة، واستطاعت ان تتسلل بمهنية صحفية عالية، وحرفية تعي المهنة ومتطلباتها، إلى عالم مدينة «دبلن» السفلي، بحيث نقلت صورة متكاملة عمّا يدور هناك، وعن الآلية التي يوظفها مجرمو المخدرات لنشر سمومهم، وعن الافراد المستهدفين في هذه البضاعة.
تلك التحقيقات كانت من الصدق والقوة بحيث مثلت تهديداً حقيقياً لاولئك التجار، مما جعلهم يقضون عليها، عندما اطلق عليها مسلح يقود دراجة نارية، النار لدى توقفها امام اشارة السير الحمراء في مدينة «دبلن».. وقد تحولت قصة حياتها الى فيلم سينمائي عرض مؤخرا.
وبعيداً عن النهائية المأساوية للصحافية الايرلندية «غرين»، نجد هنا اننا نتوقف ونسأل عن مفهوم العمل الصحفي والإعلامي لدينا كدول للعالم الثالث، من حيث كونه سلطة رابعة تسهم بدور كبير في صياغة الرأي العام من ناحية، وتسعى إلى القاء الضوء على جوانب النقص والخلل في المجتمع من ناحية اخرى بشكل يجعلها واضحة للتشريح والمعالجة.
هناك حالة غياب شبه كامل للحرفية المهنية عند الكثير من الافراد الذين يتعاطون الصحافة لدينا.
فالصحافة لدينا تتمثل في نقل مباشر من وكالات الانباء العالمية والمحلية، او عبارة عن تحقيقات صحفية تعتمد على الهاتف والفاكس لجمع المعلومة وتحصيلها، فترسل الاسئلة او المحاور عبر الفاكس، ومن ثم تجمع وتصاغ تحقيقات مطولة اشك أن احداً يقرؤها سوى من كتبها، نظرا لازدحامها بالكلام الانشائي المطول.
من الصعب أن نحصر العمل الصحفي المحلي في الاسلوبين السابقين على وجه الاطلاق ولكنهما بالتأكيد يمثلان قطاعاً كبيراً من الذين يمارسون هذه المهنة التي يسمونها مهنة المتاعب، فاستبدلناها نحن بمسمى مهنة المكاتب، فاذا اضفنا على هذا ضيق المساحة التي تتحرك بها الصحافية المرأة لوجدنا أنها احد المبررات الرئيسة لقصور المهنية الصحفية لدى الكثير ممن يزاولون العمل الصحفي.
بالتأكيد لا نتمنى لاحد مصير الصحافية «غرين» المأساوي لكن بالتأكيد يجب أن نعترف بغياب المهنية الصحفية لدينا بشكل كبير وواضح.
|