إن الحوافز المالية التي وضعتها وزارة الداخلية مكافأة لمن يدل على خلية إرهابية، أو على عدد من الإرهابيين، أو على إرهابي واحد تشجع على الاقدام بشجاعة على الاتصال بجهاز وزارة الداخلية بواسطة الرقمين المعلنين، من أجل حماية هذا الوطن من عبث العابثين، وتجربة المجربين، وتهور المندفعين، وحماقة ذوي العلم القليل، والعقل الضعيف.
ليس المال وحده الغاية، بيد أنه مشجع كما أسلفت، وهو ليس إلا مكافأة لاشعار المواطن بأن جهده مقدر وسعيه مشكور وسيتم عن هذا السبيل وبطرق مختلفة محاصرة هذا الفكر العبثي الضال، الذي يسعى الى تعطيل الحياة، وايقاف خطى التنمية والبناء، وقطع الصلة بالعالم.
لقد تبينت الأفكار المخبوءة، والاهداف المخفية لهذا الفكر ولاصحابه، من خلال قرائن عدة، من خلال مجاميع الاسلحة الهائلة في كل مكان من المملكة تقريباً، حتى في مكة والمدينة، بطلت حجتهم الواهية في اخراج المشركين من جزيرة العرب!! فليس في البلاد قوات أجنبية، ثم ليس في مكة والمدينة - على الأخص - سوى المسلمين؟!! فمن المقصود إذا بذلك الكم الهائل من السلاح في المدينتين المقدستين؟!!
هؤلاء لهم أهداف بعيدة تقفز على هذه الحجج الواهية، إنهم يريدون اسقاط الدولة السعودية، واستبدال نظام الحكم القائم الآن بحكومة أخرى يرون انها إسلامية - حسب زعمهم - شبيهة بحكومة «طالبان» وهذه الحكومة المنتظرة التي يحلمون بها ستعيد صياغة المجتمع من جديد، وفق تصوراتهم القاصرة، وستعيد النظر في الصلة بالحضارات والشعوب والدول الاخرى، ثم ربما أعلنت ما تسميه «جهاداً» مع أكبر دول العالم - حلم بعيد المنال - الولايات المتحدة وحليفاتها، من أجل الانتصار لقضايا الأمة..!
هذا هو المخطط بصراحة، وستتبين من خلال التحقيقات كل شيء، ستتبين عقيدة «التكفير» التي بها استحلوا الدماء، وأعلنوا الخروج على السلطة، واستمالوا الأغرار من القاصرين في السن والعلم وتجربة الحياة..!
ولو تخيلنا - لا سمح الله - أن هؤلاء وصلوا الى تحقيق شيء مما يحلمون به، سواء ذلك المختبئ المطارد في جبال أفغانستان، أو أتباعه المضللين، فإن الصورة القاتمة التي يحسن بنا أن نرسمها لمجتمعنا ستكون على النحو التالي:
- ايقاف تام لمناهج التعليم الحديثة، ومنع تعليم المرأة سوى في كتاتيب نسائية، ومنع التمريض النسائي، والتطبيب النسائي، ومنع آفاق الحياة الحديثة بصورها كافة، الفنادق، والسياحة، وحركة الشركات، والحركة الثقافية والفكرية، والمهرجانات، والفلكلور، والفن والاعلام، وتبادل الوفود مع دول العالم، وكثير من التقاليد الدولية والمراسم، والصور، والتصوير، والعملة النقدية، والبنوك، وعمل المرأة، وتبادل السفراء، والصلة بالعالم الحضارية والاقتصادية، والنشر والتأليف، وستسعى دولة طالبان الجزيرة العربية المنتظرة الى نظام تعليمي خاص ومقنن، لا يتجاوز قدراً من العلوم الدينية وفق تصورهم، وستنتشر المظاهر الشكلية للدين، وسيتعزز النفاق الاجتماعي خوفا وطمعا وحماية للذات، وسيتسلط السيف الاحادي الرؤية على أي اجتهاد أو تفكير آخر، وستتم عملية اقصاء فكري واسعة للمخالف، إما بالتصفية أو السجن، أو التهجير، والاسكات الاجباري، أو ركوب الموجة..!
هذه هي ملامح الاحلام اليوتبائية التي تعشش في أذهان الموهوبين والمخدوعين، ولذا فهم يقولون إن عملية التغيير التي يخوضونها الآن هي عملية «جهادية» حتى ولو لم يقاتلوا كفاراً ومشركين من ملل أخرى!! بل ربما غيروا صيغة الخطاب من إعلان الجهاد نحو الكافر خارج الجزيرة الى اعلانه على الكافر داخل الجزيرة!!
فالخطر لا يهدد الدولة ولا السلطة ولا نظام الحكم فحسب، بل يهدد المجتمع كله، يهدد إنجازاته التنموية والحضارية، ويضع مستقبل أبنائنا في مهب الريح، ويضع بلدنا على حافة حرب أهلية، ويدخلها في حالة احتراب دائمة داخلية وخارجية، داخلية مع طوائف المجتمع وتياراته، وخارجية مع دول العالم!
إن المواطن الذي يعي الصورة بأبعادها الحقيقية سيدرك ان المستقبل محفوف بمخاطر جمة حين لا يتم القضاء على هذا الفكر ومواجهته بكل السبل، ولقد تبينت الحقيقة المختبئة خلف الاطار الديني، وتنبه الناس الى أن وراء الملامح الدينية في الشكل الخارجي مسافات فكرية أبعد من كثير من المظهر الخادع، فضعف ان لم يكن انعدم التعاطف السابق مع هذا التيار، حين اكتشف أبناء البلاد أن الدين لدى هؤلاء متلبس للوصول الى غايات بعيدة، وأن دين هؤلاء التكفيري ضيق الافق يستبيح الدماء، ويحرف العقيدة السمحة بحيث تكون نصوصها مجتزأة موظفة للاستدلال والنمذجة على ما يذهبون اليه على قياس (ولا تقربوا الصلاة).
المكافأة دافع إضافي، وسيتوالى سقوط أتباعه واحدا واحدا، إما بالاستسلام وهو الأجدى والأقرب للعقل وللمنطق وللدين وإما بالقتل، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. ويقول عز من قائل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
|