Thursday 11th december,2003 11396العدد الخميس 17 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أجراس مبكرة أجراس مبكرة
د. فوزية عبدالله أبو خالد

هل كان الصوت خافتاً في إطلاق صيحات التحذير وفي قَرْع أجراس الخطر أم أننا كنا لا نسمع وإن سمعنا فإننا لم نكن نريد التصديق؟
هاجني شجن هذا السؤال وقد وقعت في يدي بالصدفة سلسلة الأسئلة التالية التي أحببت أن يشاركني القارئ مراجعتها:
ما هو التطرُّف؟
ما هي أنواع التطرُّف؟
ما هي أشكال التطرُّف؟
هل التطرُّف ظاهرة حديثة مقتصرة على العصر الحديث؟
هل ما يُعرف في التاريخ والمصطلح الإسلامي بالغُلو أو الإفراط هو المقابل لمصطلح التطُّرف الحديث بمظاهره العنفية المختلفة من العنف الكلامي وعنف الخطاب إلى أشكال أخرى قد تكون أفدح خطورة وأغلى أثماناً في الممتلكات وربما في الأرواح؟
هل يعتبر التطرف ظاهرة انحرافية تهدد حياة الأفراد بمن فيهم معتنقوه والمنقادون إليه كما قد تهدد حياة المجتمعات برمتها فتتعدى المستهدفين بالتطرف لتصل إلى الأبرياء دون أن تستثنيَ المتفرّجين أو من يحاولون الحياد أو تجاهل الموضوع؟
هل يجب التعامل مع التطرف على أنه مَيْلٌ مرضي عن الجادة الاجتماعية خاصة في تلك المجتمعات التي حثها ويحثها معتقدها الديني على الموقف الوسطي؟ وأليس من الأجدى في مثل هذه الحالة أن تجرى معالجته بأساليب شفائية سلمية قبل أن يستشري؟
يكاد التطرُّف اليوم أن يصبح ظاهرة تعني الكثير من المجتمعات وتعاني من بوادرها الكثير من المجتمعات بل إن بعض تلك المجتمعات بدأت تشتد أزمتها معه وفي هذا فلا بد لكل مجتمع - تعنيه هذه الظاهرة ويهتم بحماية شبابه خاصة من فتكها أو انتقال عدواها إليه - من أن يطرح بعض الأسئلة التي لا جدوى من تأجيل طرحها ليتعامل مع صغار الشرر في مهدها قبل أن تتحول إلى حريق لن يحرق أصابع اللاعبين بكبريت التطرُّف وحدهم.
وإن كانت طبيعة الأسئلة الخاصة بموضوع التطرُّف يجب أن تنبع من طبيعة واقع المجتمع المعني حسب بناه ومؤسساته الاجتماعية والثقافية وحسب نوع التيارات السياسية السافرة أو المقنَّعة داخله ومستواه المعيشي وتعدده الاجتماعي ونوع أزماته الاقتصادية وسواها من أزمات العالم المعاصر كالبطالة أو الترف أو التحولات الاجتماعية الحادة أو الانتقال من الأطراف إلى المدن أو الهوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء أو الفجوة الجيلية بين الآباء والأمهات والمربين من جانب وبين الأبناء من الجانب الأخر، فإن هناك عدداً من الأسئلة التي ربما يعنينا طرحها وربما يعيننا على مقاربة هذا الموضوع في مجتمعنا وفي المجتمعات المقاربة كمجتمعات الخليج وعدد من أقطار الوطن العربي الأخرى. ومن هذه الأسئلة:
- ما الدافع إلى التطرف وخاصة بين فئة الشباب؟ هل هو محاولة لاكتساب موقع أو دور أو حضور اجتماعي بتوسُّل سلطة التخويف التي قد يستمدونها من العنف الموقفي أو اللفظي أو أبعد من ذلك؟ هل هو محاولة لشد الانتباه أو رد الاعتبار لمكانة يخالونها مهمَّشة أو مستبعَدة عن دائرة المشاركة السوية؟ هل هو موقف نقدي من المجتمع ضل الهدف العقيدي السلمي والوسيلة الإسلامية السمحة في التعبير عن نفسه؟
ما هي الظروف التي ينشط فيها التطرُّف وتتيح له التوسُّع والانتشار؟ هل عند اشتداد الغُمّة على الأمة مع ضبابية ويأسٍ في التوصل إلى حلول سلمية للأزمات؟ هل عند غياب التفكير بصوت جماعي مشترَك ومسموع تشارك في التعبير عنه جميع قوى المجتمع وثقافاته الفرعية والرئيسية لتشكل مجرى وطنياً واسعاً يتسع للجميع؟
ما هي أسباب التطرف الاقتصادية/ الاجتماعية/ الفكرية؟
ما هي أساليب التطرُّف التي يمكن أن يستشفها المجتمع ويتخوف أن يتحول إلى حالة احتراب لا سمح الله؟ هل هي الغِلْظة في اللفظ، الانسحاب الأسري والاجتماعي، التحدي الشخصي والإدانة الجمعية للاتفاق الجمعي أم أن هناك ما يخفى من الأساليب التي يجدر بالمربين والأسر والجيرة والمجتمع ككل ملاحظتها قبل أن تصبح لها أشكال مفاجئة قد لا تُحمد عقباها؟
ما هي غايات التطرف وما هدف التطرف النهائي؟
هل يستهدف فئات اجتماعية معيَّنة هل يستهدف سلوكيات اجتماعية معيَّنة أم أنه قد يبدأ بإدانة البعض لينتهي بإبادة الكلِّ بمن فيهم زهرات الشباب التي تتبناه أو تنساق فيه؟
هل للتطُّف علاقة بأنماط الغزو والتتبيع الغربي المختلفة/ اقتصادية/ اجتماعية/ فكرية وثقافية؟
«هل للتطرُّف علاقة بحالة الاستلاب التي تمارسها أمريكا بحق الشعوب كموقفها المؤازر دوما لانتهاك دولة العدو الإسرائيلي لفلسطين أرضاً وشعباً وحرماً؟»
هل للفراغ الفكري/ النفسي دور في ظهور التطرُّف؟
«هل لعجز المسلمين عن تطوير فكر وموقف إسلامي مستنير يضاهي استنارة الإسلام وعظمة إنجازه التاريخي ويردُّ على مهانات الحاضر دورٌ في خَلْق حالة من الضياع من ناحية وخَلْق حالة من الانكسار من ناحية أخرى بما يجري تعويضه بالتطرف».
ما هي علاقة التطرف بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عالمياً وإقليمياً وعربياً ومحلياً؟
وبالإضافة إلى النوع السابق من الأسئلة هناك أسئلة أخرى يصعب عدم التطرُّق إليها عند فتح باب الحديث أو بالأحرى التسلل إلى باب الحديث عن هذا الموضوع ومن هذه الأسئلة أيضاً:
ما هو خطر التطرف على المجتمع الذي يظهر فيه؟ ما هو خطره على وحدته الوطنية ولحمته الاجتماعية تحديداً وعلى الشباب، على الجوهر والمعاش وعلى كل ما هو مشروع ومقبول في المجتمع؟
ما هي علاقة الانصراف عن الهمِّ المُعاش والقضايا المصيرية وتجاهل العمل والإنتاج بظاهرة التطرف؟
ما هي علاقة اضمحلال أطر العلاقات الاجتماعية القديمة وقلة فعاليتها مع استمرار وجود جيوب قديمة للمحسوبيات والتآزر على حساب الصالح العام ودون تطوير مؤسسات مدنية تؤازر الفرد في ظهور التطرف؟
ما علاقة التطرف بضعف حِسّ الانتماء لهوية اجتماعية ووطنية والحرص على مصالحها العليا؟
ما هي علاقة الانشغال بالجزئيات وتحويل شكليات المظهر إلى أولويات ملحّة بظاهرة التطرُّف؟
ما هو دور التربية ومناهج التعليم وتوجُّه بعض المربين في ظاهرة التطرف سلباً وإيجاباً؟
ما هو دور ثقافة الاستهلاك والانعزالية عن مصادر الثقافة المنتجة والمتعددة والقصور في قراءة التاريخ وقصور الوعي الوطني والاجتماعي والديني بظاهرة التطرف؟
هل يمكن أن يكون للتطرف حل علمي وعملي يتعامل مع المتغيرات ويستفتي الضمير ويحتكم إلى المبادئ ويعيد قراءة تجارب ووقائع التاريخ البعيد والقريب ولا يقفز على المضيء من الموروث القيمي ويصرُّ على المستقبل الأفضل؟
هل للمؤسسات العلمية دور في استدراك ظاهرة التطرف أين كانت مُسوحها قبل أن تستفحل؟
ما هو دور الحوار الذي لا يكون مسبوقاً بافتراضات مسبقة في إيجاد وعي اجتماعي يحمي المجتمع وشبابه ويمكِّنه من التفاعل السوي دون إفراط أو تفريط؟
هذه الأسئلة وفيض آخر منها لابد انها تطرح نفسها وبإلحاح تارة وباستحياء أخرى على كثير منا. إلا أننا كثيراً ما نصرف النظر عنها أو نعرض عن التوقف عندها إما لحساسيتها الشديدة حتى على نفس السائل أمام نفسه، وإما لأننا نشعر أن ظاهرة مثل ظاهرة التطرف هي ظاهرة هامشية أو طارئة وأطرافنا الأربعة لا تزال بعيدة عنها؟!
وقد تناول هذا الموضوع مجموعة من الأساتذة والعلماء ممن يحرصون على دق أجراس الخطر قبل وقوعه. وفي قراءتي لذلك كانت تنسل الأسئلة التي صغتها أعلاه إلى مستقبل قد يتهدَّد إنسان هذا العصر الذي لم يعد يعيش في عزلة عن ما يجري من حوله في العالم ناهيك عن مجتمعه والمجتمعات القريبة.
إن مثل هذه الحوارات جديرة بالمداخلة وجديرة بالمتابعة والأخذ والرد والتفكير والتفكر لأن الضوء ووضح النهار وحده الكفيل بتبديد الرعب المحتمل.
ملاحظة متأخرة:
بقي أن ألفت نظر القارئ أن معظم ما جاء في هذا المقال هو مقتطف من مقال كُتِبَ ونُشِرَ عام 1408هـ 1988م أي قبل ما يزيد على خمس عشرة سنة وذلك حين كان عدد من الشباب المتورطين اليوم في أعمال التطرف العنفي لا تزيد أعمارهم وربَّما تقل كثيراً عن عشر سنوات. فمَنْ نلوم؟ ولعلَّي لا أسترجع هذه الأسئلة هنا لملامة النفس وجلد الذات ولكن الذكرى تنفع المؤمنين. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved