مضحك مبكٍ عندما أتذكر أياماً خوالي كنت طالباً للدكتوراه في الولايات المتحدة وأحمل معي آمالاً عظاما أنا وبقية الأصدقاء من المبتعثين هناك ونحن نتحدث عن مستقبلنا كأعضاء هيئة تدريس بل إننا كنا نقول آه وألف آه متى ننتهي من هذا الجهد الجهيد لنعود بما تعلمنا ونستقبل الحياة العلمية ونبذل ما تعلمناه كرد لدين هذا الوطن الحبيب وكنفع لنا ولمجتمعنا ولأمتنا، والكل تقريبا حماسه لاينقطع وجهده لا يفتر وقراءات وسهر بالمكتبات وبحوث وقلق وانقطاع عن البيوتات وكله لنيل العلم والشهادة، وعندما نجد وقتا للفراغ وما اقله كنا نقسمه بين ترويح الأسرة المكابدة معنا الصابرة على غيابنا او لقاء مع ثلة من الأصدقاء لقضاء وقت حديث ممتع بتطلع لمستقبل عن حالنا العضو هيئة تدريسي القادم والذي معه سنغسل هم ما تكبدنا من عسر حياة عدت وعاد الأصدقاء بشهاداتنا الكبيرة -كما يحلو لإخواننا في مصر نطقها هكذا والأمل هبط معنا على أرض المطار فالبحث العلمي قادم ودعمه متاح طبعا، والعلم المتقدم نحمله، والحياة بما تحمله من متطلبات ستكون أسهل فنحن قد أصبحنا أعضاء هيئة تدريس بالجامعات والمميزات اللهم لا حسد، والمؤتمرات والندوات أكيد حدث ولا حرج، أما مشاريع البحث فلا ندري بأيها نبادر فالأفكار متعددة وكلها البلد بحاجتها فقط الله يعيننا على الطلبات ماندري ايش نبدي اما بحوث الدكتوراه فهي مهمة وقد حاز بعضنا على التفوق الشرفي فيها لندرة الفكرة ولإضافتها العلمية المتميزة هناك - ولكن والله ما فينا حيل نترجم الرسائل من أول ما نصل سنعتذر من الطلبات وبعد شهر من الوصول نترجم البحث للعربي معذرة ياجماعة بس والله نبغى نرتاح لأ ننا مومكاين.
وكان التواصل بين أصدقاء الماضي يتم على فترات متباعدة هنا في أرض الوطن وذلك لكثرة المشاغل والارتباطات وعندما نلتقي الكل يترحم على ايام الدراسة وبين جنبات الحديث يضحك ساخر ويتأوه متألم ونقول بشعور وصوت واحد بصراحة كنا نفهم واقع عضو هيئة التدريس خطأ، فيزيد متشائم بل كنا نفهم الحياة خطأ، اين هو حلم دعم البحث العلمي؟ فالبحث المدعوم اصبح شبه الحقيقة وليس بحقيقة نسمع عنه ولا نراه والحصول عليه يحتاج معرفة وخلافه وهو الذي تقوم عليه حضارات الأمم فألمانيا مثلا تنفق 80 بليون دولار على البحث العلمي سنويا ولم تصبح في مكانتها المتقدمة بين الامم الا بالبحث العلمي الذي ساهم برقيها في مجال الصناعة والتكنولوجيا والطب والهندسة والأدب والعلوم الإسانية والاقتصاد الخ.. ولننظر إلى حال دعم بحوثنا العلمية وان وجدت قتشوا عن القيمة العلمية إلا فيما ندر.
وأين حضور المؤتمرات العلمية؟ فالمؤتمرات والندوات لاتقدم غالباً الا لمشارك ببحث أما الحضور للفائدة فلا، وكأن عضو هيئة التدريس يجب أن يبدأ من أعلى السلم فلا داعي للاحتكاك والحضور والفائدة ونقل التجارب إن لم يقدم بحثا، وهذا المنطق يخالف الأعراف الأكاديمية العلمية في جميع الدول المتحضرة. وثمة سؤال لسائل بلؤم وبنصف ابتسامة، واين مميزات عضو هيئة التدريس المادية؟ فالكل يتحدث اما عن تقسيط سيارة او افضل طريقة لتقسيط دوبلكس أو كيفية الحصول على قرض ميسر أو كيف يعار لجهة ما أو ينقل خدماته تماما فالوضع المادي لا يشجع البتة ولا حديث عن الاستمرار بالجامعات وقطاعات التعليم العالي لأن الاعتقاد السائد أصبح يوحي بعدم المنفعة في الاستمرار، وخلاف ذلك من المضحكات المبكيات والتي لم تكن بحسبان من صرف تلك الليالي العجاف في العلم.
طيب وأين ترجمة بحوث الدكتوراه وترجمة الكتب والأبحاث والمقالات المهمة في حقولكم العلمية؟ الجواب: لم يسأل أحد منا عن بحثه، والترجمة عموما ليست مدعومة بشكل جيد إطلاقا برغم أنها وسيلة فعالة لنقل المعرفة وخصوصا في مجال آخر ما توصلت له الحقول العلمية لمن سبقنا بها، فمثلا اسبانيا دولة اوربية صغيرة وهناك من يفوقها كثيراً سواء في أوربا أو أمريكا الشمالية وغيرها امكانيات ولكن لتبسيط وضوح وجلاء مشكلتنا مع الترجمة ضربت بها المثل، فأسبانيا تترجم في العام الواحد من الكتب من اللغات المختلفة أكثر مما ترجمه العالم العربي مجتمعا من الكتب منذ اكثر من 100 عام مضت. ثم قال أحدهم طيب وأين..؟ فبادره آخر بالله فضوها سيرة خلونا نتكلم في شي يفرح، فقرأ أحدهم رسالة مضحكة طبعت في هاتفه المحمول ليغير السيرة العكرة، فقلت في نفسي لقد تساوت همومك ومضحكاتك مع البقية يا عضو هيئة التدريس.
|