في هذا الزمن أصبحت كلمة «ديوان» عَلَماً أو ما يشبه العَلَم على كل كتاب ضمَّ بين دفتيه عدداً من قصائد الشعر، حتى أصبح الذهن ينصرف إلى الشعر والشعراء حينما ترد كلمة «ديوان»، والصحيح أن كلمة الديوان أعمُّ من ذلك فهي تدلُّ على كل إِضبارة أو «ملفٍّ» ضمَّ عدداً من النصوص، أو الأسماء، أو الأنظمة والقوانين، أو القصص والمعلومات في مجال من المجالات، ولذلك قيل: «ديوان الجند» و«ديوان الخلافة» و«الديوان الملكي» و«الأميري» و«ديوان الخدمة المدنية» و«ديوان الأشعار» و«ديوان الأخبار» إلى غير ذلك من الدواوين.
حينما وصلني كتاب «ديوان عمر بن الخطاب» هديةً من مؤلِّفه وجامع مادته الأخ الكريم «عمر بن حسين الموجان»، قال أحد الجالسين حينما رأى عنوان الكتاب: هل كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه شعر يكوِّن ديواناً؟
قلت لصاحبي، هذا هو الكتاب بين يدينا، الآن سنعرف من خلاله جواب سؤالك، وحينما تأملنا موضوعات الكتاب من خلال فهارسه تبيَّن للأخ السائل أن الكتاب جمع عدداً من المواقف والأحداث والقصص المتعلِّقة بالشعر والشعراء وعلاقتهم بعمر رضي الله عنه، وتساءل: هل يمكن أن يطلق على مثل هذا الكتاب اسم ديوان؟ قلت له: نعم، وأوضحت له الأمر.
الكتاب ذو قيمة أدبية، وذو أهميّة من حيث جمعه لمعظم ما رُوي في كتب السيرة وتاريخ الأدب عن مواقف «ناقد الشعر المتمكِّن» عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو جانب مهم من جوانب سيرة الخليفة الثاني الذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه الرجل الذي يمكن أن يكون «محدَّثاً ومُلْهَماً» في أمة الإسلام، وبأنه الرجل الذي اذا سار في فجٍّ أي طريق سار الشيطان في طريق آخر.
قسم المؤلف كتابه إلى أقسام، أطلق على كل قسم منها اسم «معشر» وكأنه أراد، بذلك أن يعيد بعض المصطلحات اللغوية المهجورة إلى التداول، وهذا عملٌ جيِّدٌ يحسن بنا أن نتعاهده بين الفينة والأخرى.
فكان المعشر الأول عن آداب الشعر عند الفاروق، والضوابط التي وضعها للشعر والشعراء وأورد في ذلك عدداً غير قليل من المواقف التي رويت عن عمر رضي الله عنه في هذا المجال.
وكان المعشر الثاني من الكتاب عن أحكام الشعر عند الفاروق، وحكم الشعر بصفة عامة في الإسلام، وحكم الشاعر إذا اعترف بأنه أصاب ما يوجب عليه الحد الشرعي في شعره، وحكم إنشاد الشعر في المساجد، وكان المعشر الثالث عن موقف الفاروق من الهجاء وفي هذا الباب قصص كثيرة ومواقف جميلة تستحق القراءة، وكان المعشر الرابع من الكتاب عن الشعر الذي نسب إلى الفاروق رضي الله عنه، وقد خرج المؤلف من هذا القسم برأي يؤكد أن عمر لم يكن يستطيع أن يقول الشعر، وكان المعشر الخامس عن المواقف التي كان يتمثل فيها عمر بالشعر ويستشهد به وهي مواقف كثيرة أظهرت القدرة العالية على تذوُّق الشعر عنده رضي الله عنه وعلى معرفة جيده من رديئه، وحسنه من قبيحه، وأما المعشر السادس فقد أورد فيه المؤلف عدداً غير قليل من القصص التي تروى عن كثرة استنشاد عمر للشعر في مجالسه، وفي المعشر السابع تحدث عن علم الفاروق بالشعر وتذوُّقه ونقده ووضع في هذا القسم عنواناً خاصاً بعمر بن الخطاب الناقد وفي المعشر العاشر استعرض المؤلف عدداً من الأخبار المتفرقة عن الفاروق رضي الله عنه وعلاقته بالشعر.
الكتاب خطوة طيبة في جمع شتات هذه الأخبار في موضع واحد يخدم القارئ ويريحه من عناء البحث في المراجع المتفرقة، وكأني بالأخ الكريم عمر بن حسين الموجان قد حرص على أن يؤدي حق «الاسم» ويهدي إلى «سَميِّه» هذا الكتاب، وهو وفاء يستحق عليه الشكر، هنالك هَنَات لغوية وأسلوبية ونحوية في الكتاب أرجو من المؤلف أن يتلافاها في الطبعة الثانية إن شاء الله .
إن لقب «الموجان» يذكرني بوالد المؤلف الشيخ حسين الموجان الذي كان رحمه الله من أبرز الدعاة إلى الله في منطقة الباحة، وممن ترك أثراً جميلاً في كثير من طلابه والمتابعين له، إنها إشارة إلى شخصية فاضلة تستحق أن يكون لها حديث خاص بها.
إشارة:
تحية للمؤلف على كتابه الجميل، ومزيداً من العطاء، والشعر إن كان ما يزال يقول الشعر على عهدي به.
|