حاولت خلال حلقات ثماني سبقت - في هذه الزاوية - أن أشير إلى أهم العوامل المجتمعية العامة التي ساعدت على تشكل ثقافة الاختراق الدولي للكيان الاجتماعي السعودي لأغراض وأطماع مشبوهة معلومة، وذكرت أنها عوامل فاعلة لم يكن ليتيح للأجنبي أن يجرأ على منازلتنا من خلالها لو أننا كنا أقدر على تلمس احتياجاتنا الحقيقية بتجرد وموضوعية، ولو أننا كنا - كمجتمع متعدد الكيانات والمؤسسات - أكثر جرأة على تدارس مشكلاتنا بشفافية عالية ووضع الحلول الجذرية لها.
ولعل تداعيات ثقافة الاختراق تلك قد جعلت معظم الكيانات المجتمعية تنظر إلى أهمية ودلالة «الصورة الذهنية» التي ربما بات يحملها بعض الأفراد والمؤسسات في الداخل والخارج عن المجتمع السعودي، فلا شك في أن صورة المملكة العربية السعودية قد تأثرت سلباً بشكل كبير، وكذلك صورة المواطن السعودي، نتيجة ما حدث من تقلبات وتحولات في الواقع الدولي منذ 11 سبتمبر، ومن المستقر في علم الاتصال أن الصورة الذهنية عندما تكون سلبية فإنها سريعاً ما تنمو وتتطور وتنعكس سلبياً على العلاقة بين حامل الصورة وجهتها، إضافة إلى وجود وسائل الإعلام الدولية مادة صالحة «إعلامياً» فتقوم بتناول تلك الصورة السلبية وجعلها مادة للأخبار، وللحوار والنقاش، في المواد الإعلامية التي تنشرها، ومن الطبيعي أن تشكل تلك الصورة الذهنية وما ترتب عليها من سلوك إعلامي، ردود أفعال معاكسة، تحاول تحسين الصورة وإعادة الموازنة في نظرة الناس للمجتمع السعودي.
ومثل هذا النمط من التدابير الإستراتيجية يعد منهجاً محموداً وضرورياً في أوقات الأزمات، تعمد إليه مجمل الدول والمؤسسات المتحضرة الواعية بل والأفراد أيضا، ولكن في غمرة العمل على تحسين الصورة وفي وهج الدفاع المشروع عن الذات، ربما تختلط الأوراق لدى البعض فيشعر بضرورة تقديم تنازلات معينة ظناً منه أن هذه التنازلات هي الجسر الآمن لإقناع الآخر بعدم مشروعية الصورة الذهنية المتشكلة وبطلانها، وبذلك يمكن ظهور أنماط جديدة من أشكال الاختراق. إن المعادلة الصعبة التي يقدم عليها المجتمع السعودي اليوم تتمحور حول مرتكزات عديدة من أهمها، الحفاظ على صورة ذهنية جيدة لدى الآخرين، مع القناعة بكل ما هو جميل ومحمود في المجتمع والذود عنه بشموخ، ومع الفرز الدقيق المستنير لمواطن الإشكال الفكري والسلوكي المترسخة في الكيان الاجتماعي، ودراستها وتصحيحها ذاتياً، باقتدار وتسامح، ودون إبطاء. إنها المعادلة الدقيقة، والرسالة «الوطنية» الكبرى، والأكثر تعقيداً وحساسية، والوظيفة المشاعة بالضرورة، لأن من يحمل أمانة أدائها هو كل من يصدق عليه الوصف - أفراداً وجماعات ومؤسسات - بالانتماء لهذا الوطن الكبير «السعودية».
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|