لا أدري ما سُّر الحمَّى الإعلامية في الفضائيات على جعل المرأة السعودية هي محور الأضواء، وتتصيِّدها كلُّ قناة يُتاح لها هذا «الكبش» في برامج عابرة، وفي مواجهات على درجة من التسطُّح والفراغ بحيث لا يخدم هذا الأمر المرأة السعودية بقدر ما يسيء إليها. أولاً من حيث البرامج التي تستقطبها، وثانياً من حيث نوعية الأسئلة التي تُطرح عليها، وثالثاً من حيث الزمن الذي يُتاح لها، فلا يساعدها على الأقل من تسديد فجوات وفراغ البرنامج أو الأسئلة الموجَّهة لها.
ثمَّ لا أدري لماذا هذا الإقبال المحموم أيضاً من قبل النساء على قبول مثل هذه الأضواء التي لا تُعدُّ لها المرأة من جهة إن كانت غير مؤَّهلة لمواجهة الكاميرا، أو أن تكون ذكية في إفحام الأسئلة المتسطحة الركيكة بقوة المنطق وحجة الواقع من جهة أخرى.
ثمَّ هل هناك من لا يسخر من نساء ذوات خبرات عريضة وتأريخ حافل لا يظهرن إلاَّ ليقلن فقط إنَّهن تعلُّمن، وعملن، وها هنَّ في سبيل تحقيق الذات؟ أيَّ ذات؟! وأيَّ تحقيق؟!، وهن كالتلميذة تجيب عن أسئلة أمام من يقوّمها.
ثمَّ لماذا لا توجَّه هذه الأسئلة للمرأة اللِّبنانية، أو المصرية، أو السودانية، أو التونسية أو.... أو....، وحتى العُمانية، والكويتية، والبحرينية؟
كم أُصاب بكثير من الغصص التي تعتلجني كلَّما أشارت إليِّ صديقة من صديقاتي برسالة هاتفية إلى مشاهدة إمرأة سعودية أو أكثر، أوبرنامج عن المرأة في قناة ما، حيث يعهدن عدم حرصي على ضياع وقتي مع غُثاء الفضائيات. وكم أزداد غصَّة تسدُّ منافذ الفرح في نفسي لأيِّ إنجاز تمَّ على مستوى الوطن لنساء الوطن على مدى نصف قرن، فإذا بنا نجد هذا التأريخ تبتسره برامج مشوّهة للواقع أو في (أفلام) أقرب ما تكون توثيقاً غير أمين لمسيرة طويلة حافلة بالعلم والعمل والعطاء والبناء والثقة والبذل في مجالات التعليم والاقتصاد والاعلام والثقافة والتطوع في مؤسسات المجتمع البشرية والتي كان الأولى تسليط الأضواء عليها بشكل مدروس.
ثمَّ من هو المسؤول عن هذه الحمُّى، ولماذا نخنع لطَرقات حادة على بناءِ كيانِ شامخِ للمرأة المسلمة هدفه تفويض قيم بالغة الرسوخ قوية الجذور؟!
ثمَّ، ما الذي تريده المرأة المسلمة الأم للأجيال؟ والحاضنة للبشرية وقد نشأت في مجتمع مسلم لم يتوان عن منحها فرص العلم والعمل، وها هو يتيح لها قبل أن يأتي هذا (الطَّرْق الحاد) الفرص الكثيرة لتحقيق النجاح في مجالات مختلفة نابعة من الحاجة، ومحقِّقة لطبيعة مسيرة الحياة، وموائمة لمتطلبات التغيرات بما لا تنكره أولئك اللائي وصلن للفضائيات بعد أن وصلن إلى مواقعهن وحملن درجاتهم العلمية.
إننَّا لسنا نرفض المواجهة، والتعبير، ولكن على غير هذا النَّمط المستهلكَ المتسطَّح الهش الذي يحجِّم تجربة طويلة، وخبرات ذات قدر. ويجعل من المرأة طالبة متبدئة في مدرسة المذيعة أو المذيع!!...
فكيف يتم ذلك من قِبل النساء...؟
وكيف يتحقق لهن الشعور بالرضاء عند مراجعة ما قلن، وكيف ظهرن؟
ثمَّ...
لماذا كلَّ هذا؟
ألا يمكن إثبات الوجود إلاَّ عن طريق الشاشات التي لا يشاهدها إلاَّ راصد متقصِّد...، أو عابر خلو من المعرفة، أو عارف منكِر...؟
إذ تُحقَّق للراصد هدفه، وتكوِّن فكرة مهزوزة عنها لدى العابر الجاهل،
وينكر عليها العارف...، ويتحسَّر، بمثل ما تصيبني هذه اللقاءات وموضوعها من الحسرة والألم.
|