حلقات يكتبها:
عبد العزيز محمد السحيباني
4/6
تعد الزراعة الحرفة الأولى في البدائع وللزراعة تاريخ طويل نستعرض جانباً منه في هذه الحلقة..
حقول غنَّاء!!
حين ترى البدائع من بعد.. ترى منظراً بديعاً وأخاذاً.. حقول القمح الخضراء والسنابل الذهبية تطرِّز كثبان الرمال الصفراء وضفاف وادي الرمة الخصيب.. حين تطل عليها من الطائرة ترى منظراً بديعاً من النخيل الباسقة وبساتينها الغناء التي تحيط بالبدائع.. تتوَّسد هذه الحقول وادي الرمة مكونة منظراً أخاذاً.. أخضر القسمات.. في الصيف ترى ثمار نخيلها كالجواهر والدرر.. فهذه ثمار صفراء ذهبية.. وهذه حمراء نحاسية وهذه ذات رطب كالجواهر.. ترى قنوات النخل تطرز هذه العسيان الخضراء.. وهذه جداول المياه الرقراقة تجري تحتها لامعة كالفضة..
وتحتها حقول البرسيم اليانعة الخضراء.. أو حقول الذرة تكوِّن لوحات بديعة في «البدائع» بلد الإبداع والمناظر الخلابة.. وفي بعض هذه «القصور» نرى المنازل الطينية الحمراء ذات القلاع والنوافذ القديمة.. تتداخل عروق الطين مع جرد وقنوات النخل الأخضر.. لتكون لوحة سريالية بديعة على ضفاف وادي الرمة ألف «بناة البدائع» ملاحم زراعية لا نزال نرى آثارها.. وما تزال تمتد على صفحة الزمن وعلى أكف هذا الوادي الخصيب وعلى جنباته بنى أهالي البدائع ملاحم من الاقتصاد الزراعي الذي كونت به سلة غذاء للقصيم ولغيره من مناطق المملكة الأخرى «لا تزال آثار «السواني» ومساراتها واضحة في بعض المزارع.. تحكي قصص الكفاح والبناء.. على ضفة وادي الرمة الجنوبية تنتشر مزارع البدائع القديمة بنخيلها الباسق الممشوط القوام.. جذوع النخل تشرب من مياه الوادي العذبة حيث يجري واديها.. وعلى الجانب الآخر.. هناك «العبلة» بتربتها الخصبة تمتد حتى «الأبراق» و«رامتان» حيث عبق التاريخ يعانق عبق المزارع.. وخضرة الحقول الغناء.
الزراعة قديماً
كانت الزراعة في البدائع قبل عشرات السنين تعتمد على اخراج المياه من الآبار بواسطة «السواني» وهي مجموعة من الإبل تقوم بسحب المياه بواسطة «الغروب» وهي حاويات من الجلد لتصب في «اللِّزا» وهي بركة مجاورة للبئر التي يتم حفرها يدوياً بواسطة المعاول.. وبعد ظهور «الديناميت» كانت هذه الآبار الصخرية يتم تفجيرها حتى الوصول للمياه.. ورغم بدائية استخراج المياه لسقي النخيل وحقول القمح والأعلاف والخضروات.. وقل أن تخلو مزرعة من المزارع القديمة بالبدائع من وجود «منحدر» للإسراع في حركة الإبل أثناء سحبها للمياه من الآبار «القلبان» كما أن حرث الأرض كان بواسطة المحراث الذي تجره الحيوانات مثل «البقر» حيث ان حركة البقر تولِّد حركة ميكانيكية للتغلب على انغراس المحراث في الأرض ومع الضغط على المحراث يتم حرث الأرض وكانت هذه «البقرة» تستخدم بدلاً من الحراثات الحديثة.
أما حصاد القمح فقد كان يتم يدوياً.. ويتم تجميع سنابل القمح بعد أن يجف ويأتي موسم الصيف في مجموعات تسمى «كُدوس» وهذه «المجموعات» يتم نقلها إلى «قاع وادي الرمة» حيث الأرض صلبة ويتم وصفها ونثرها على شكل دائرة في «البيدر» أو «الجرين» ويتم هرسها بواسطة الإبل وباخفافها الواسعة يتم فصل الحب المتلبس بقشور السنابل إلى حب أحمر مختلط بأعواد «التبن».. يتم بعد ذلك «حبُّها» في الهواء الطلق لتتطاير الأعواد الخفيفة مع الهواء وتبقى الحبوب الحمراء.. والمرحلة الأخيرة هي غربلة كل هذه الحبوب لفصل الشوائب ومنها من لم يتم فصل حبوبها عن القشور.. وبعض الأعواد وغيرها.. ثم يتم تعبئة القمح في أكياس.
الزراعة حديثاً..
مجتمع البدائع مجتمع زراعي.. وقد صبغت الزراعة مجتمع البدائع فمعظم سكان البدائع هم في الأصل مزارعون.. وقد نشأت البدائع في الأصل من مجموعة من المزارع والمستوطنات وقد تحدثنا عن أوائل المزارع التي أنشئت في البدائع مثل «العميرية» و«الحميدية» و«البدائع» وغيرها من المزارع الكثيرة.. وقد اكتسبت البدائع شهرة كبيرة في الزراعة وفي جودة محاصيلها الزراعية ويعود ذلك لعدة أسباب فيها:
- وقوعها على وادي الرمة الخصيب حيث ان تربته الغرينية تعتبر من أجود أنواع التربة ويبلغ أقصى امتداد لوادي الرمة بجانب البدائع شمالاً، وسوف نتحدث عن هذا الوادي لاحقاً.
- عذوبة مياهها ووفرتها حيث ان جريان وادي الرمة يزيد من منسوب المياه الواقعة إلى الجنوب من البدائع في العيلة وعلى المزارع القديمة التي تقع على ضفاف الوادي.
- اهتمام الأهالي بالزراعة واتقانهم لها حيث انهم مزارعون منذ القدم وتوارثوا هذه المهمة أباً عن جد..
وفي البدائع تنتشر حالياً المزارع ذات المساحات الشاسعة والتي غطت مساحات كبيرة من وادي الرمة ومن «العبلة» وصياهد جنوب البدائع وانتشرت فيها المشاريع الزراعية الكبيرة على مستوى المملكة مثل مزارع تمور المملكة الضخمة جنوب البدائع قرب «رامتان» ومشاريع البيوت المحمية حيث ان في البدائع مصنعاً كبيراً لهذه البيوت.
وقد سهل من عمليات السقي والزراعة استخدام رشاشات الري المحوري التي تغطي مساحات كبيرة دون إهدار الجهود في تسوية الأرض وشق الترع الزراعية فيها «القناطر» حيث ان الري بهذه الرشاشات يعتمد على الرش من أعلى مهما كان سطح الأرض غير مستو فإن عجلات الرشاش المحوري تصعد عبرها من الكثبان الرملية بواسطة الدفع وضخ المياه عبر قنوات الرشاش..
زراعة النخيل
تعتبر البدائع من أكثر البلدان شهرة في زراعة النخيل ويعتبر ثمر نخيلها من ألذ وأجود أنواع التمور.. حيث ان البدائع محاطة تقريباً ببساتين غنَّاء من النخل متعدد الأصناف ومن أشهر تمورها السكري اللذيذ المذاق وهناك عشرات المزارع التي تنتج هذا النوع المتميز من التمور التي يتم جنيها وبيعها رطباً.. والكمية الكبيرة منه تخزَّن في الثلاجات لحفظها باردة واستهلاكها في أشهر الشتاء.. وجزء منها «يكنز» بطرق عديدة لحفظها من التلف.. ومن التمور الشهيرة بالبدائع أيضاً «الشقراء» وكانت مشهورة قبل ازدياد انتاج السكري وتؤكل رطباً وتتميز بلذة مذاقها وبرودتها وفي الغالب فإن ثمرها يحفظ بطريقة «الكنز» في «الصوبة» أو «الأكياس» أو «التنك» حيث يصب عليه الدبس ويدك ليتماسك ويترك 3 أو 4 أشهر ليتحول إلى تمر لذيذ المذاق.. ومن النخيل المشهورة، بالبدائع كذلك «البرحي» ويؤكل بسراً وكذلك الروثانة.. وأم الحمام وتؤكل رطباً و «أم كبار» و«الحلوة» و«حميدانة» و«المكتومي»، ويؤكل منصِّفاً أي أن نصفه رطب ونصفه بسر ويسوق انتاج البدائع من التمور في المدن القريبة وفي الرياض.. ويبلغ عدد النخل بالبدائع حوالي المليون نخلة.. وهو عدد كبير بسبب قيام مشاريع زراعة النخل الكبيرة جنوب البدائع.. وشتل فسائل النخيل بطرق حديثة وسريعة.. ويعتني مزارعو البدائع بزراعة النخلة وخدمتها ففي البداية يتم شتلها وغرسها في مواسم الغراس المعروفة.. وتزرع بحفر حفرة لها بعمق مترين ودائرة قطرها مترين ويوضع فيها الطين والرمل والسماد.. ويغرس فيها فسائل النخيل الصغيرة لتثمر خلال 4 أو 5 سنوات من السقي.. ولا بد لسقي النخيل من وجود السواني والقناطر والأحواض فهي تحتاج إلى ماء سائل عبر الأرض.. ونظراً للاهتمام بخدمة النخلة في التلقيح والتشييف والتعديل والسقي ونظراً لخصوبة التربة فقد تميز انتاج التمور بالبدائع..
زراعة القمح
نظراً لوقوع البدائع على ضفاف وادي الرمة فقد اشتهر انتاجها من القمح «البر» شهرة كبيرة نظراً لجودة القمح المزروع على ضفاف وادي الرمة «التربة الأنسب لزراعة القمح» وتشتهر البدائع منذ القدم بزراعة صنف نادر من القمح وهو «المسعِّية» أو «البر» وتشتهر بعض المزارع بزراعته دون غيره وكذلك «اللِّقمي» الذي هو الأنسب للأكلة الشعبية المعروفة ب«الجريش» وهو حبوب القمح المجروشة، إلى نصفها أو ربعها دون أن تكون طحيناً.. وتكاد جميع مزارع البدائع تقوم بزراعة الحبوب وأشهرها القمح.. وتوجد مزارع كبيرة تستخدم رشاشات الري المحوري لزراعة هذا المحصول وترى المساحات على امتداد البصر وقد اشتهرت الزراعة لهذا المحصول في زمن الطفرة حيث التشجيع من الدولة لزراعته وشرائه من المزارعين بأسعار تشجيعية ولا تزال زراعة القمح قائمة بمزارع صغيرة وكبيرة.. كما تزرع في البدائع البقوليات مثل اللوبيا والفاصوليا والجزر والخس والقرع والباذنجان والكوسة والطماطم.. وتسوِّق انتاجها الوفير الذي يفيض عن حاجة البدائع في مدن القصيم الأخرى.
المساحات المزروعة وعدد المزارع
يبلغ عدد المزارع بالبدائع أكثر من «2000» مزرعة تزرع مختلف أنواع المحاصيل وتبلغ المساحة المزروعة أكثر من «36000 هكتار» منها حوالي «4000» هكتار مزروعة بالقمح والباقي مزروع بالخضروات والفواكه والنخيل والأعلاف مثل البرسيم والشعير، ويبلغ الانتاج السنوي للبدائع حوالي «22000 طن تقريباً» وعدد الآبار أكثر من «32000 بئر».
الثروة الحيوانية
في البدائع ثرورة حيوانية كبيرة نتيجة وجود المزارع التي تنتج الأعلاف مثل البرسيم والشعير ونتيجة وجود مزارع القمح حيث تتحول المساحات المزروعة بالقمح إلى مراعي طبيعية للماشية بعد حصاد الزرع، وتشتهر البدائع بتربية الأغنام حيث تزيد ثروتها على «000 ،80 رأس من الغنم» وأكثر من «8000 رأس» من الإبل، كما يمتهن أصحاب المراكز والقوى القريبة من البدائع مثل القيعية والأحمدية والعبدلية والدحلة تربية المواشي حيث المراعي الخصبة جنوب البدائع.
وادي الرمة
لقد كان لوقوع البدائع على ضفاف وادي الرمة دوراً رئيسياً في نهضة البدائع الزراعية فعلى ضفته الجنوبية تنتشر المزارع بشكل كثيف ومتواصل ولا يفصل بين هذه المزارع سوى حواجز من الرمال أو شبك فاصل، وقد ازدحمت المزارع بهذه المساحة نظراً لخصوبة ضفاف وادي الرمة وجودة تربته للزراعة أما في حالة جريانه فإنه يجلب معه «العزين» أو الطمي الذي يزيد الأرض خصوبة.. وفي حالة جريانه الغزير فإنه يزيد بشكل كبير من منسوب المياه الجوفية.. كما سبق أن جرى في شهر شعبان عام 1402هـ.. وقد أصبحت مياهه كالطوفان أو النهر الجارف حيث غطى كل مزارع البدائع تقريباً بل دخل إلى بعض شوارع البلدة القديمة بحي العليا وانقطعت وسائل المواصلات بين البدائع وعنيزة، وبين البدائع والخبراء نتيجة سيلانه بشكل جارف وعدم استيعاب الجسور الموجودة لكمية مياهه المتدفقة وكان سيلانه في ذلك العام بعد أن قام المزارعون بحصاد زروعهم ووضع محاصيلهم من القمح في «قاع وادي الرمة» وذلك بغرض تصفيتها ولما كان جريانه مفاجئاً وفي أشهر الصيف لم يكن جريانه متوقعاً «جرى في شهر يونيو» حيث أتلف معظم محاصيل القمح كما غطى حقول البصل والباذنجان والبرسيم.. ولكنه مع ذلك زاد من خصوبة الأرض بشكل ملفت للنظر وعوض خسائر المزارعين.
كما سبق أن سال في عام 1234هـ ، وعام 1364هـ، وعام 1365هـ وفي عام 1376هـ واستمر أكثر من عشرين يوماً.
ويبلغ وادي الرمة أقصى اتساع له عند التقاء وادي الرمة مع وادي النساء غرب البدائع وقرب الحجناوي تبلغ في هذه المنطقة حوالي 22 كم.. ويبلغ أقل اتساع في شرق البدائع في «الخنقة» وهي في الكبري الواقع عند التقاء طريق البدائع - عنيزة» مع طريق البدائع - البكيرية، حيث يبلغ اتساعه حوالي 3000 متر وكلما ضاق اتساع الوادي أسرع في جريانه بسبب قلة المسطح المائي وتكاثف المياه فيه حيث تحجزه من الشمال كثبان ورمال نفود «الغميس».. وأوجه نداء إلى وزارة المياه.. أو الزراعة إذا كانت السدود من ضمن اختصاصها ببناء سد في هذه المنطقة وذلك لتجميع المياه والاستفادة من المياه الجوفية والمزارع القريبة منه.. وكذلك لزيادة سرعة جريانه باتجاه الشرق.
ويقول الأستاذ تركي الفهيدان في كتابه «أرض القصيم» عن وادي الرمة: يبدأ من مشارف المدينة المنورة ويصب في شط العرب بالعراق قديماً، ولقد تتبعت مجرى الوادي من المنبع «الجبل الأبيض» حتى مصبه في الوقت الحاضر قرب الجعلة فوجدته يبلغ 539 كم، ثم يختفي تحت رمال الثويرات لمسافة 82كم حتى الطراق ثم يظهر باسم الأجردي لمسافة 30 كم تقريباً من الطراق إلى آبار البريكة ثم يختفي تحت رمال الدهناء بطول 25 كم من آبار وادي الباطن لمسافة 420كم تقريباً حتى يصب في شط العرب فيصبح طول المجرى 1096كم تقريباً.
ويقول: «بما أن طول المجرى 539 كم وفارق الارتفاع من جبل الأبيض «2093م» حتى قرب الجعلة «560م» هـ 1533م إذن معدل الانحدار= 84 ،2 لكل كيلو متر تقريباً.
وهذا الانحدار يقل كلما اتجه الوادي شرقاً ويبلغ ارتفاع الوادي عن سطح البحر شمال البدائع حوالي «620م» تقريباً.
وقد قام الباحث الأستاذ القهيدان بزيارة إلى المنطقة الواقعة في شمال البدائع قرب جسر «البدائع - الخبراء» ويقول في كتابه «على بعد حوالي 2 كم شمال البدائع قمنا بزيارة ميدانية لهذه المنطقة وهي مشابهة لمنطقة النبهانية فالمجرى هجرته المياه منذ وقت طويل بسبب حالة الجفاف في المناخ ولقلة المياه سادت عوامل الجفاف ونشطت الرياح وحملت بعض الرواسب وأرسبتها بهذه المنطقة.. وتنتشر في هذه المنطقة مجموعة من الكدوات أو النبكات نتيجة اصطدام الرياح ببعض النباتات في هذه المنطقة».
ويبلغ طول جسر «البدائع - الخبراء» حوالي 950م أي حوالي كيلومتر وهو أطول جسر على وادي الرمة على الاطلاق وذلك نتيجة اتساع مجرى الوادي في هذه المنطقة.. ولكن ما يعيق جريان الوادي في الأعوام الأخيرة اضافة إلى ما ذكره القهيدان هو وجود حفر عميقة حفرت في مجراه خاصة في المنطقة الواقعة بين البدائع والخبراء وهذه الحفر ناتجة عن تحميل الطين لاستخدامه في البناء والزراعة.. كما يعيق جريان الوادي وضع السواتر الترابية «العقوم» والتي انتشرت بشكل كثيف في المزارع الواقعة على الضفة الشمالية لهذا الوادي وهي كالسدود التي تحجز المياه وخطورتها تكمن في حالة امتلاء ما خلفها بالمياه ومن ثم انفجارها لتحدث سيل العرم..
كما تحدث القهيدان عن «الخنقة» فقال: وهي تقع شرق البدائع في الحدود بين البدائع وعنيزة، وكان يطلق عليها «المخنق» وهي مجرى ضيق من وادي الرمة تحيط بها أرض رملية مرتفعة.
وادى النساء «العاقلي»
يعتبر هذا الوادي هو الحد الغربي لمحافظة البدائع.. وهو أحد فروع وادي الرمة ويوجد عليه جسر قرب الحجناوي «غرب البدائع» وذلك لعبور مياهه عند تقاطعها مع طريق «البدائع، الرس» ويعتبر هذا الوادي من أخصب أراضي البدائع ولكنه يقع على حافة الدرع العربي.. ويسيل هذا الوادي كل عام تقريباً نظراً لقصره وسيلانه من عالية نجد نحو بطن القصيم..
يقول عنه الأستاذ تركي القهيدان «يبدأ سيله من مرتفعات غرب جبل درعان «1045م» ومن المرتفعات الشمالية الغربية لدخنة ثم يتجه نحو الشمال الشرقي حتى يلتقي بمياه شعيب دخنة عند ساهية أم عوشر، ويبدأ شعيب دخنة من مرتفعات جنوب غرب دخنة على بعد نحو 22كم من دخنة - شرق جبل عريفجان - ثم يتجه شمال شرق ماراً بدخنة وعندها تمده من الغرب مياه شعيبي درعة وأبو مروة اللذان يجمعان مياههما من جبال أم ردهة ويمد وادي دخنة شعاب الجبال المحيطة بدخنة مثل غراب «930م» جنوب شرق دخنة، جبال غرب دخنة، جبل خزاز ثم يواصل سيره نحو الشمال الشرقي حتى يرقد وادي النساء عند عاقل وهو مورد ماء في ملتقى وادي النساء بوادي الأرطاوي عند العبل «العبيل» ويسمى حالياً العاقلي، وكان به عدة آبار ترد عليها الماشية.. ثم يواصل وادي النساء سيره شمالاً حتى يتصل بوادي الرمة بين البدائع والحجناوي..
وعاقل المذكورة هي «بطن عاقل» وكان وادي النساء يسمى قديماً «بطن عاقل».. ولجريان المياه في وادي النساء منظر بديع أخاذ.. فعندما يلاحظ أهالي البدائع لمع البوارق في عالية نجد وفوق جبل خزاز تقريباً يوقنون بسيلان وادي النساء.. فيصبِّحهم وادي النساء بجريانه المتدفق ويهرعون لمشاهدة مياهه الرقراقة وهي تملأ مزارعهم وتغطي المزارع الواقعة إلى الغرب من «حي العليا» وهي «الروضة، الوهيبية، أم حزم»، حيث يحده الحزم الواقع إلى الشمال الغربي من «حي العليا».. وقال الأصبهاني: إذا جزت رامة صرت إلى بطن عاقل.. وهو ماء على الطريق لبني ابان بن جرير.
وقال ابن الأثير: كان سفهاء بكر قد غلبوا على عقلائها، وغلبوهم على الأمر وأكل القوي الضعيف، فنظر العقلاء في أمرهم فرأوا أن يملكوا عليهم ملكاً يأخذ للضعيف من القوي.. فنهاهم العرب وعلموا أن هذا لا يستقيم بأن يكون الملك منهم، لأنه يطيعه قوم ويخالفه آخرون، فساروا إلى تبايعة اليمن، وكانوا للعرب بمنزلة الخلفاء للمسلمين وطلبوا منه أن يملِّك عليهم ملكاً، فملك عليهم حجر بن عمرو الكندي «آكل المرار» فقدم عليهم ونزل «ببطن عاقل».. وأغار ببكر فانتزع عامة ما كان بأيدي اللخميين من أرض بكر، وبقي كذلك إلى أن مات فدفن «ببطن عاقل».
وقذ ذكر «عاقل» أو «العاقلي» وهو وادي النساء حالياً ذكراً كثيراً في الشعر العربي..
قال كعب بن زهير يصف حماراً وحشياً بين الأنعمين وعاقل:
كأن جريري بنتحي فيه مسحل
من القمر بين الأنعمين وعاقل
والأنعمين يرجح الشيح محمد ناصر العبودي إنها المسميات حالياً «القشيعبن» إلى الجنوب من الرس.. وهذا دليل على أن عاقل كان يشتهر بوجود الصيد والحمر الوحشية.
وقال جرير:
عجبت لما يغري الهوى يوم منعجٍ
ويوماً بأعلى عاقلٍ كان أعجبا
وقال أعرابي:
لم يبق من نجد هوى غير أنني
تذكرني ريح الجنوب ذُرى الهضبا
وإني أحب الرِّمث من أرض عاقل
وصوت القطامي الطلِّ والمطر الضَّرب
وقد كان «العاقلي» مشهوراً بشجر الطلح - يتضح ذلك من خلال الأشعار التي وردت فيه - ولم يبق فيه الآن طلحتان فقط.. وأنادي بتغيير اسم «وادي النساء» بلوحة على الطريق المار بين الرس والبدائع، «وادي العاقلي» و«القشيعبن» جنوب الرس إلى الأنعمين..