ارتفعت أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة إلى أكبر من السقف السعري الأعلى الذي حددته منظمة أوبك للبرميل، وصاحب هذا الارتفاع ارتفاع في أصوات المنادين بخفض الأسعار وإرجاعها إلى النطاق السعري المحدد من قبل المنظمة وخاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها اقتصادات معظم الدول الصناعية المستوردة للنفط. واللافت للنظر أن هناك تجاهلاً لما يحدثه الأثر السلبي لانخفاض سعر الدولار أمام العملات الرئيسية على القوة الشرائية للسعر الإسمي لبرميل النفط، إذ انخفض سعره إلى أدنى مستوى له منذ ما يقارب العقد.
والإشكالية والحالة هذه بالنسبة للدول المصدرة للنفط هي أن هناك ارتفاعاً إسمياً منظوراً في سعر برميل النفط نتيجة للارتفاع في سعره، وانخفاضاً غير منظور في سعره الحقيقي نتيجة لانخفاض سعر الدولار. وهذا ولا شك يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية لإيرادات النفط حتى ولو زادت قيمتها إسمياً.
وقضية تناقص القوة الشرائية لسعر برميل النفط ليست وليدة الساعة بل هي قديمة متعددة الأسباب، ولسبب أو لآخر ينصب الاهتمام على السعر الإسمي وليس الحقيقي. فقد أدى الارتفاع في أسعار واردات الدول المصدرة للنفط إلى خفض السعر الحقيقي لبرميل النفط في الفترة من 1985 إلى 1996م بنسبة 50%، على الرغم من أن الانخفاض في السعر الإسمي لنفس الفترة لم يصل إلى 25%. ومن الأمور التي تسترعى الانتباه أنه على الرغم من زيادة السعر الإسمي بين عامي 1972 و1996 بنسبة 628% تقريباً إلا أن الزيادة النسبية في السعر الحقيقي لنفس الفترة لم تتجاوز94%.
ما تحتاجه الدول المصدرة للنفط في هذه المرحلة ليس مجرد الإبقاء على أسعار النفط داخل نطاق معين بل السعي الجاد لربط الأسعار الاسمية بالأسعار الحقيقية والعمل على استقرار الأخيرة الأمر الذي يعني المحافظة على استقرار القوة الشرائية لبرميل النفط. وإلا فستجد نفسها مجبرة على زيادة الإنتاج واستنزاف احتياطياتها سعياً للحصول على إيرادات إسمية أعلى من أجل الحد من تآكل القوة الشرائية لها.
وتعويض النقص الحاصل في القوة الشرائية لإيرادات النفظ بهذه الطريقة ربما أدى إلى انخفاض الأسعار الإسمية، وهو ما قد يدخل الدول المصدرة في دوامة ما يعرف بالنمو البائس. فهناك زيادة في الإنتاج لكنها غير مصحوبة بزيادة في الإيرادات الحقيقية وربما الإسمية أيضاً بل يحتمل أن يكون العكس هو الحاصل.
ولعل من المناسب في الفترة الحالية التفكير في آلية تحافظ على استقرار الأسعار الحقيقية ومن ثم القوة الشرائية لإيرادات النفط. وأن يكون ذلك هو الهدف قدر الإمكان عوضاً عن الاهتمام بالأسعار الإسمية بغض النظر عن الذي يحدث للأسعار الحقيقية.
|