«في أي مكان من بلاد العرب، ما على المرء إلا أن يدخل أي بيت يرغب، ويكون واثقاً من أنه سيرحب به فيه، فحجر القهوة تظل مفتوحة طوال اليوم، ووصول ضيف اشارة لهذين الشكلين من أشكال (التسامح) اللذين لا يعرف العرب سواهما، القهوة والحديث، والنار موقدة دائماً وفناجين القهوة تدار في الحال».
الكلام السابق هو للليدي آن بلنت التي زارت نجد في عام 1881م، ويظهر قولها السابق ما لمسته هذه الرحالة الغربية من روح متسامحة عند عرب وسط شبه الجزيرة العربية على وجه الخصوص، فقد حلت في ضيافتهم فلم يستنكروا وجودها بينهم، وتعاملوا معها بالروح العربية الاصلية التي تتعالى على الصغائر، وتتمثل الآخر، بل وتحسن استقباله وإكرامه.
وهذه الروح ليست وليدة العصر الذي كانت فيه الليدي آن بلنت بل هي موروث بين العرب منذ العصر الجاهلي، فعلى الرغم من وجود الحروب في العصر الجاهلي إلا ان روح التسامح كانت قائمة. وجاء الإسلام فعزز هذه القيم وارتقى بها لتصبح أكثر إنسانية.
ولم تكن الليدي آن بلنت هي الوحيدة التي شهدت بروح التسامح لسكان شبه الجزيرة العربية. فقد اشاد بها جملة من الرحالة الغربيين الذين رغم اختلاف اشكالهم وعقائدهم تجولوا بها (أي شبه الجزيرة) من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب فلم يتعرضوا لأي أذى، بل أحسن التعامل معهم بغض النظر عن نواياهم الاصلية.
ولعل الدافع إلى مثل هذا الكلام هو التركيز على مبدأ التسامح في التعامل مع الآخر ولكن في غير لين أو ضعف، فهذه القيم الجميلة يجب أن تبقى في نفوسنا ويجب ان نلقنها لأبنائنا ونشيعها خاصة ونحن في هذا العصر لا نعيش بمعزل عن العالم بعد ان تحول إلى قرية كونية وارتبطت فيه المصالح بين الأمم، وأصبحت كل أمة في حاجة إلى الأخرى اقتصادياً وثقافياً ومعرفياً.
وأختم حديثي بما قاله حسين حسني وهو ضابط عثماني كان من ضمن افراد الجيش العثماني الذي ارسل إلى منطقة القصيم في عام 1904م. فقد اثنى على اخلاق سكان شبه الجزيرة العربية قائلاً: «الخصائص الاخلاقية لهذا القوم النجيب العرب وسخاؤهم وحسن ضيافتهم من الأمور التي يثنون عليها ثناءً عطراً. ومع تبدل بعض العادات التي يتميزون بها مع مرور الأيام إلا أن المزايا الحسنة التي توارثوها من أجدادهم العظام مازالت موجودة لديهم بشكل عام».
| 
