ان شمولية الدعوة العالمية للاسلام تسعى الى ارساء قواعد الرقي الانساني وتدفع مظاهر التردي والشقاء عن المسلمين وعن البشرية على حد سواء وهذه الشمولية في الدعوة الى الحق قد تحدث عنها القرآن الكريم فاخبر عن أمم جاءها الحق فآمنت به ثم انكرت وانقلبت الى معاداة الرسل والكتب واتخذت موقف الصد عن سبيل الله ومشايعة الباطل والمنكر لانها حصرت الموضوع الالهي بمفهوم عنصري يخرج من دائرة حقائق الايمان ورحابة الدعوة ويتخذ من الالوهية والنبوة وسيلة لخدمة العنصرية المادية على حساب الحق والهدى وعلى حساب مصلحة البشر في استنارتهم بنور الله والاعتراف لهم بكرامتهم الانسانية ومن هنا كان التوجه الالهي في طريق اعداد الامة المسلمة لدورها الكبير وتأهيلها لاستحقاق الخيرية الاممية وذلك بالاعتصام التام بكل ما اتى به الاسلام مما يطلق عليه حبل الله الذي تكون به النجاة {وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} فالامة المسلمة المختارة لتلقي الرسالة بكل مضامينها واذاعة كلمتها في كل ابعادها لا بد ان تستوفي اسس تكوينها وان تستجمع عوامل قدرتها بوحدة صفها مما يستدعي الوعي التام بالاسلام وهذا الموضوع بالغ الاهمية.
لأن الوعي يطرد السطحية والانفعالية ويقي من فتن الدعوات التي تقامر بالعقول بسوء فهم الاحكام الاسلامية وتطغى على الاذهان الفهم ببريق الايدلوجيات المتناثرة واستغواء الشعارات المزورة بمفهوم الحرية والتقدمية، وبهذا تكتسب الامة خصائصها التي لاتنفك عنها وهي الخير لكل الامم التي لاتقوم على عنصرية استعلائية ولا على قوى عسكرية وانما تقوم على رسالة حضارية لتحقيق الحكمة العليا من الحياة واعلاء النفوس ببواعثها واهدافها وتطهير المجتمعات من اخطائها وانحرافاتها وتقويم الحضارات بمنطلقاتها واذكاء روح الخير والكرامة بين شعوب الارض كلها.
فحين نقرأ قوله تعالى {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} ندرك سمو الشرف الذي عقد لنا لواؤه وثقل المسؤولية التي القيت علينا فلا يؤذن لها ان تكتفي بصلاحها واستقامتها بل لابد من ان تكون رقيبا على ما يتحرك داخل صفوفها ومايجري في ساحة الامم من انحرافات في الاعتقاد او فساد في الاخلاق او ظلم للانسان او عدوان على الطبيعة لأن الامة المسلمة تنطلق من رسالة تحمل الهداية الكاملة فعليها ان تدور في فلكها ولا تخرج عن مسارها فيلغي التزامها بالمبادئ والحقائق والقضايا التي اتى بها الاسلام التزاما شاملا لا يقبل التنقيص او الاخلال بسلم الاولويات او التفريط بموازين الحكم الدقيق.
كما تلقى حركتها متناسقة مع ايقاعات المثل العليا التي تصل بين البواعث والغايات ليكون المسلمون في اعلى مقامات الهداية والاستقاة والامة المسلمة تحمل رسالة الرحمة الى العالمين عالم الانسان وعالم الحيوان فالرحمة التي تقوم عليها شريعتها التي يجري التعامل على اساسها ليست خاصة بالمسلمين بل هي رحمة عامة مهداة الى المسلمين وغيرهم ولا تقتصر على شأن دون شأن فالمسلمون مكلفون بأن يرحموا من في الارض ليرحمهم من في السماء.
ثم إن الامة المسلمة مؤتمنة في رسالتها على ما يتجاوز حجمها العددي والمكاني والزماني كما يتجاوز ظروف ضعفها وقوتها وهو موضوع الشهادة على الناس في جميع حالاتها فالشهادة على الناس لا تعفي الامة من القيام بحقها ساعة تكون الامة المسلمة متخاذلة او مخذولة او يوم تكون القوة والهيمنة بامم ملأها الغرور فاحست الامة المسلمة بهوانها على الناس وبضآلتها بين الاقوياء فانكفأت على نفسها وظنت ان ضعفها سيكون اضعافا لدورها وتضييعا لكلمتها ذلك لان شهادتها في ميدان الزحام ستكون امضى وفي ثوران الباطل ستكون اقوى وفي حالة انعدام الوزن الذاتي ستكون سنداً لها في احياء نفسها ومدداً للعالم في دعوته للرؤية وعودته الى الحق.
ومن اجل تثبيت هذه الحقيقة كان الاعلان الالهي عن وظيفة كبرى من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم وخصيصة مهمة من خصائص المجتمع الاسلامي وعن غاية عليا من غايات الحضارة الاسلامية فكل هذا يدور حول محور واحد هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيما يتعلق بوظائف النبوة المحمدية المبشر بها في الكتب السابقة{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
} وفيما يتعلق بوضع المجتمع الاسلامي فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض قال تعالى {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المنكّرٌ }
ثم إن موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو موضوع واسع الارجاء لاينحصر بالمنهيات والمحظورات المنصوص عليها فقط بل يمتد ليشمل الغايات الكبرى من الوجود الانساني والمتغيرات المتجددة في المعارف الانسانية والمنجزات المتطورة في ساحات الابداع العالمي والنظم المتعاقبة في مجال العلاقات الدولية والممارسات المختلفة على الاصعدة الفردية والجماعية مما يكون تعبييرا عن تصورات ومواقف او تأثيرا في اتجاهات وطموحات تصيب البشرية بنكسات وازمات او تصب في خانة التراجع في مضمون الانسانية نفسها فاذا كانت الامة المسلمة مسؤولة عن ذاتها بهذا القدر ومسؤولة عن عالمها لهذا المستوى فقد بلغت في خيريتها مالم تبلغه اي امة سبقت ولن تبلغها امة يستحضرها المستقبل في منأى عن الاسلام وعن مسؤوليات المسلمين.
ومن اجل تثبيت هذه الحقيقة كان الاعلان الالهي عن وظيفة كبرى من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم وخصيصة مهمة من خصائص المجتمع الاسلامي وعن غاية عليا من غايات الحضارة الاسلامية فكل هذا يدور حول محور واحد هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيما يتعلق بوظائف النبوة المحمدية المبشر بها في الكتب السابقة{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
} وفيما يتعلق بوضع المجتمع الاسلامي فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض قال تعالى {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ }
اما فيما يتعلق في اسس الحضارة الاسلامية التي تزدهر بعد استقرار نظامها وانتصارها فيقول الحق سبحانه { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )ولكون الامة المسلمة مكلفة بتحقيق صلاحها واصلاح عالمها فانها رقت الى مرحلة التحرر من الهوى والعصبية ومن كل ما قد ينقص من قدرها كامة تتحرك لاشرف الغايات فهي حين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لاتقوم بذلك لمصلحة استعلائها على الناس او قهرها لارادتها ولا تسعى من وراء ذلك الى استغلال موقعها لتحقيق منافع مادية او ابتزاز شعوب مغلوبة على امرها او الهيمنة على شعوب مفتونة بنظمها وتفوقها بل هي امة الخير المطلق لذلك فهي تدعو اليه وامة النزاهة المجردة فهي تعتصم بها وامة العدل السوي الذي لا تختل موازينه بعاطفة المودة او بحقد وصولا للعدل الذي تصدر عنه كل الاحكام وتوزن به كل الامور قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فشرف القيام بشؤون العدل هو اقوى ركائز المسؤولية في الاشراف على مبادئ الخير وفي ارساء معالمها في النفوس والمجتمعات وهنا قد تنهض مجموعة تساؤلات في وجه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخاصة في هذا العصر الذي يوصف بانه عصر الحريات فكيف تتخذ الامة لنفسها حق الاشراف على الاخلاق والقيم وعلى المقاصد والاهداف بما يوهم مصادرة الحريات والتضييق على الناس واحتكار الصلاح والاصلاح ان هذا الامر جدير بالدراسة والتصويب بعد ان فتن الناس بشعارات الحرية والديموقراطية وبعد ان فرغت الحرية من مضمونها وحقائقها وبعد ان التوت السبل بمن اخرجوها عن ضوابطها وتجاوزوا بها كل حد لخدمة اهوائهم واغراضهم دون التوقف عند حدود المشروعية والمسؤولية ودون مراعاة لحريات الاخرين ومقاصدهم العليا فما هي الحرية وماهي حدودها وماهي ضوابطها ولمن تكون وكيف تصان؟!.
ان الحرية في الاساس ليست اختراعا بشريا ولا ضرورة حياتية انها فريضة شرعية ومنحة إلهية ولازمة من لوازم الكرامة الانسانية فلا يصبح ايمان الا بفكر حر ولاتتربى مسؤولية الا على ارادة حرة وهي ليست حقا عارضا يستطيع الانسان ان يتنازل عنه وهي ليست موضوعا مبهما يستطيع كل انسان ان يخوض فيه برأيه او يفسره بما يخدم نوازعه او يطوعه لثقافته كما ان الحرية ليست وقفا على امة دون باقي الامم وليست ملكا لاحد يهبها لمن يشاء ويصرفها عمن يشاء فالمسلمون مؤتمنون على حماية الحرية وتوفيرها لكل انسان في مفهومها السليم واطارها البناء اما ما يتجاوز الحكمة والحق والخير فليس من الحرية في شيء بل هو عبث وفوضى و افتراء في مفهوم الحرية وتدنيس لسمو قدرها وانجرار الى البدائية التي خضعت لسلطان الغريزة لا لاحكام العقل ولضغوط الاهواء لا لرشاد الحكمة وللعبثية الفردية لا لشمولية النظام ولدواعي الغرور وليس لاستقراء الحقائق وهذا ما ننشده اليوم في المواقع التي تحولت فيها الحرية الى وثنية جديدة فتبدلت القيم واختلت النظم وتدنست الغايات واستفحلت الفواحش ولوثت المقدسات.
لقد تحولت الحرية في جانبها الاقتصادي الى غاية الربح والثراء على حساب الضعفاء والفقراء والى السيطرة على الشعوب المغلوبة على امرها لنهب خيراتها وتعويق نموها واستعمارها اقتصاديا بعد زوال الاستعمار العسكري وتقسيم العالم الى شمال مترف وجنوب جائع واصبحت الحرية الفكرية ساحة مستباحة تلقى فيها فتات الاهواء لا ثمرات العقول ومخلفات المهووسين لا تحقيقات العلماء المدركين واصبح لكل مغرور او موتور او حامل شهادة او لقب حرية مطلقة في ان يطرح ما يشاء من الاوهام والمزاعم وان ينشر ماتسول له نفسه من الاضاليل والزيف وان يفتعل المعارك الوهمية لينال شهادة التفكير الحر والنقد الشجاع دون رادع من عقل او دين او خلق فقد فشت بين الناس السيئة و سرت بين المثقفين الاباطيل وسادت بين الناس تيارات عاصفة اجتاحت العقائد ونقضت المسلمات ونشأت عنها فلسفات مادية وايدولوجيات ملحدة لبست عباءة الحرية الفكرية التي ارهقت البشرية طول القرن المنصرم ولم تورثها الا الشقاء واصبحت حرية الفنون هي حرية المجون في الرسم والنحت والتصوير وفي الغناء والموسيقى وفي توظيف الجمال لخدمة العري وفي تحويل وظيفة الجنس الى اباحية مسعورة عنوانا لتحرر ومقياسا لتقدم وضرورة لتطور فإلى اين انتهت الحرية في الممارسات والاعتداء على حقوق الانسان وفي مشايعة الظلم وفي استخدام القوة في مطاردة الحق وفي انتاج اسلحة الدمار الشامل لتهديد سلامة الارض ومن عليها كما يحدث في فلسطين والعراق من احتلال ودمار واذلال.
وفي ضوء ما ذكر اليس من الحق اذن بالدفاع عن الحرية ان ينهض المسؤولون عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للوقوف في وجه الباطل والعمل على نصرة الخير وازالة المفتريات التي الصقت بالحرية لجلاء حقيقتها ورفع يد المضللين عنها وربط ممارستها بموضوع المسؤولية الفردية والجماعية والعالمية.
|