الهداية هي توق بشري دائم ومتصل يسعى إليه كل البشر، والهداية هي انتصار بشري عظيم لكل نوازع ونوازغ الشر، وهي إن كانت أمراً مقصوراً على الله يخص بها من شاء من خلقه، فإن العرف الاجتماعي لدينا يوظفها عموما للتعامل كدعوة لطيفة مرطبة، تطال طفلاً شقياً او مراهقاً مشاغباً، او لربما زوجاً حاد الطباع، عموما لا تستعمل الا ضمن نطاق عائلي ومحدود.
لكن اللطمة التي كان يجهزها لنا البعض.. هي دعوته «لآكلي لحوم البشر والأطفال» من الارهابيين بالهداية!! وكأن ما قاموا به هو مجرَّد انحراف بسيط عن جادة الصواب وبالإمكان أن يُقوَّم ويُصلح شأنه بالنَّهر والتقريع، تماما كما يعامل طفل مشاغب نرجو له الصلاح. ومن ضمن هولاء إمام مسجد في أحد احياء الرياض يحاول حين يمس هذا الموضوع ان يمسه مسا رقيقا رفيقا، وكأنه يخشى أن يعكر قدسيته وجلاله «في نظره».
الارهاب يختصر ويلخص الآية الكريمة {أّنَّهٍ مّن قّتّلّ نّفًسْا بٌغّيًرٌ نّفًسُ أّوً فّسّادُ فٌي الأّّرًضٌ فّكّأّنَّمّا قّتّلّ پنَّاسّ جّمٌيعْا} .
جثث اطفال وأشلاء ودمار تغسل الجدران، ومن ثم دعوة امتعاض رقيقة بالهداية؟؟ أكوام من المتفجرات والقنابل والاسلحة بين المنازل والمزارع والمستشفيات، ومن ثم تردَّدَ في إعلان إدانة صريحة قاصمة في وجه شياطين الظلام والشر؟
هل نتخيل فجأة بأن مجتمعنا أصبح حنوناً رحيماً متسامحا يعالج أموره وقضاياه عبر الدعوات اللطيفة المتسامحة التي تمسُّ الأمر مسَّاً رقيقا غير مبالغ فيه؟ لو كان الامر كذلك لما نرى تلك الهجمات المرعبة التي تطال بعض الجهات أو بعض المراكز الاعلامية او بعض الاشخاص سواء من فوق المنبر أو من خلال المجالس الخاصة، هجمات تحتوي على الدعاء بالموت والمحق والسحق والفناء وجهنم وسوء المنقلب وجميع ما يحتويه قاموس الارهاب الفكري من الإقصاء والإلغاء للمختلِف أو المعارِض أليس في المفارقة يكمن المأزق الحقيقي في علاقة بعض قطاعات المجتمع مع الظاهرة الإرهابية؟ أليس هنا تكمن الازدواجية الكبرى، التي ترفض الارهاب كواجهة لكنها تغذي مواطنه ومنابعه وأدواته؟!
|