عندما تُقيم الجامعات حفلات التخريج للطلاب والطالبات نسعد جميعاً بما يتحقق من إنجازات على المستوى الإنساني والتعليمي في وطننا الكبير، باعتبار أن تلك المخرجات نماذج مشرِّفة في استمرار الرقي بهذا الوطن ورفعة شأنه، وعندما تُنظِّم تلك الجامعات المؤتمرات والندوات المتخصصة وتعقد الدورات التدريبية عبر مراكزها لخدمة المجتمع، فإن السعادة ستكون- بدون شك- أكبر وأعمق.
ولكن.. عندما تتوقف الجامعات عند هذا الحد، فقد يكون ذلك مقبولاً في زمن مضى ومرحلة انقضت.
أما اليوم، فإن الواجب الوطني أبلغ وأشمل، ليس لشيء غير أن الجامعات تحتضن أغلى مكتسبات هذا الوطن، «الشباب»، إن انشغال الجامعات بالرسالة الأولى «التعليمية» لا يمكن أن يعني على الإطلاق توقف رسالتها عند هذا الحد، الذي قد يسوغ معه القول بوجود ثغرة في محميات الشباب يمكن أن يلج من خلالها مريدون كثيرون داخل المجتمع وخارجة، فالجامعات المعاصرة تتجاوز ببرامجها ونشاطاتها حدود القاعات الدراسية إلى مجالات أرحب وأوسع، تشمل كل ما من شأنه بناء الإنسان بناء متكاملا، فهي ليست وعاءً أكاديمياً وحسب، بل هي أفق واسع للتعليم والتربية والتنشئة، وتكوين الإنسان بكل عناصر ومكونات فكره وسلوكه، ولئن كانت هذه الوظاف تتداخل وتتقاطع مع مؤسسات مجتمعية أخرى، فإن نصيب الجامعات هو الأوفر والأعم. ومع الامتنان للجهود المميزة التي تقوم بها وزارة التعليم العالي، فإن المرحلة المهمة التي يمر بها المجتمع اليوم تقتضي - بالضرورة - على الجامعات أن تتجاوز كل الأطروحات المثبِّطة والمحبطة، وأن تعمل بشيء من الحكمة، والجرأة، من أجل أداء الواجب المجتمعي، وتحقيق الرسالة الوطنية الشاملة، فلا يمكن تصور أن تقوم جهة ما، خارج الجامعات، بتقويم مسيرة الجامعات وتطوير مستوى أدائها لوظائفها، بل لا بد من المبادرة العاجلة، الواثقة، الطموحة، «والمعلنة»، التي يمكن من خلالها تعديل واقع الجامعات ذاتياً، لتتمكن من احتواء الشباب، بشكل أفضل، وفق رؤية معاصرة، متسامحة، تستمد جذورها ومرتكزاتها من فهم وسطي قويم لشرع الله، وتبني كيانها لتضاهي كل جامعة متحضرة في أي مكان في العالم.
وينبغي أن تشمل المراجعة كل ما تحويه الجامعات، بدءاً بالتخصصات العلمية التي تدرسها، وانتهاءً بالأنشطة اللا منهجية المعاصرة والطموحة، ومروراً بالخطط الدراسية، والمراجع العلمية، والكفايات الوظيفية التعليمية والإدارية، وتبقى وظيفة الكيانات المجتمعية الأخرى - مؤسسات وأفراداً - أن تفسح المجال للجامعات أن تعمل، وتغيِّر، وفق متوالية سريعة، ونمطية يسيرة، ونظام متحضر، دون الحاجة إلى منهجية اللجان طيبة الذكر، التي ربما كانت وراء تأخر كثير من المتغيرات بالضرورة أن تتغير أو تتبدل.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|