لقد تكرر ذكر (الماء) كثيراً في القرآن بما يقارب (200) مرة. تذكيراً لعباده بهذا الفضل العظيم لكي يشكروه على هذه النعمة التي لا يماثلها في قيمتها؛ نعمة أخرى سوى نعمة الإسلام وبأن يعرفوا قدرها فلا يسرفوا في استهلاكها؛ ولتكون معنية لهم على طاعته وعلى حياة طبيعية مستقرة.
وجاءت في سورة (الواقعة) ثلاث آيات متوالية عن الماء. ختمها بما أوجب عليها الشكر.. فقال تعالى: {أّفّرّأّيًتٍمٍ المّاءّ الّذٌي تّشًرّبٍونّ} [الواقعة: 68]. {أّأّنتٍمً أّنزّلًتٍمٍوهٍ مٌنّ المٍزًنٌ أّمً نّحًنٍ المٍنزٌلٍونّ} [الواقعة: 69]. {لّوً نّشّاءٍ جّعّلًنّاهٍ أٍجّاجْا فّلّوًلا تّشًكٍرٍونّ} [الواقعة: 70] أي ألا تشكرون ربكم الذي أنزل لكم هذا الماء العذب الذي تشربونه ؟ فإنه سبحانه لو شاء جعله مالحا.. أو مُرّاً لا يستساغ شربه.
* * *
ان الواجب على المسلم، في مثل هذه الحالات أن يعمل فكره في آيات الله الكونية ليزداد إيمانه بربه، ورجوعه اليه، كلما ضل أو تاه في بيداء الحياة ومنعرجاتها أو الْتَوتْ عليه بصيرته. او اجتالته شياطين الجن والإنس..!!
وقد أوجب الله على خلقه الذين منحهم العقل والتفكير.. أي المكلفون بعبادته (الإنس والجن) دون سائر المخلوقات.. أوجب الله عليهم أن يتفكروا في صنعه لهذا الكون العظيم.. للعظة والاعتبار.. ومن ثم أداء حق الله عليهم وما خلقوا له.. فقال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164].
إذاً يجب أن لا يكون تفكيرنا مقصوراً على نمط معين من أنماط الحياة المحدودة.. بل يجب أن يرتفع إلى عالم الكون وشمولية الوجود.. ليقوى بذلك إيماننا وتقوى صلتنا بالله تعالى.. ومن ثم يكون الله معنا بنصره وتأييده وتوفيقه وإصلاح أحوالنا وخلق الطمأنينة الايمانية في نفوسنا. وإثراء حياتنا بالعلم والاختراع والابتكار بما يرفع قيمتنا المعنوية والمادية أمام العالم الذي اصبح ينظر الينا في الوقت الراهن ـ كأمة ضعيفة.. مهزورة الفكر.. مهزومة من قوى الأعداء.. مع ان دينها ـ الاسلام ـ يأمرها بالقوة والكرامة والعزة الاسلامية لتكون ـ بحق ـ {خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ}.
* * *
وعودة إلى ما أنعم الله به على هذه البلاد من غيث عميم شملها من (مكة) غرباً إلى (الدمام) شرقاً، ومن (الجوف) شمالاً حتى (نجران) جنوبا ـ لنرى ونتدبر عوامل وأسباب إدامة هذه النعمة - إن شاء الله تعالى:
1 ـ أولاً شكر الله على ما أنعم به وأغدق وأعطى.. شكراً وذكراً له باللسان.. وامتنانا وإيمانا له بالجنان.. وعملا صالحا بالجوارح والأركان.. وبشكر الله تدوم النعم وتزول النقم.. ويزداد عطاء الله لعباده الشاكرين {لّئٌن شّكّرًتٍمً لأّزٌيدّنَّكٍمً}.
2 ـ إدامة التواصل مع الأعمال الخيرية كإخراج الزكوات، والإكثار من الصدقات، والاحسان إلى الأيتام والأرامل، والفقراء والمساكين.. وقد جاء في الحديث «انما تنصرون بضعفائكم» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذه الاعمال الطيبة موجبة لرضا الله ورحمته بعباده.
3 ـ ملازمة الدعاء الواثق والموقن باستجابة الله. وذلك في كل ما تحبه لنفسك ولاخوانك المسلمين.. ليس في أوقات الشدة فحسب.. بل في كل وقت وحين.. وقد دعا كثير من سكان المملكة ربهم أن يغيثهم.. بعد جدب، وقحط، وضنك، وشدة فاستجاب لهم ـ ولو بعد حين ـ بهذا الغيث العام الشامل..
4 ـ من أدوات الشكر لله (سجدة الشكر) عند حصول أو تحقق كل مرغوب.. أو السلامة من كل مرهوب. فاسجدوا الله واعبدوا.
5 ـ أن تقدر نعمة الغيث هذه بالمحافظة عليها دون إسراف أو تبذير لها.. واذا كان الله جل وعلا نهى عن الاسراف في الأكل والشرب بقوله: {وّكٍلٍوا وّاشًرّبٍوا وّلا تٍسًرٌفٍوا إنَّهٍ لا يٍحٌبٍَ المٍسًرٌفٌينّ} فكيف يكون نهيه عن إضاعته في (المسطحات الخضراء) التي تعد بالأميال.. وهي لا تسمن ولا تغني من جوع..؟!
ان بعض الحدائق أو الاستراحات ـ تستهلك من الماء العذب ما يسقي مدينة بكاملها.
|