Monday 8th december,2003 11393العدد الأثنين 14 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إشكالية العلاقة بين الإعلام والديمقراطية إشكالية العلاقة بين الإعلام والديمقراطية
حسين قبلاوي

إذا كانت أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الإعلام العربي تعزيز وعي الإنسان العربي بذاته وتفعيل التعاطي المثمر مع الآخر، فإن الإعلام العربي لا يمكن له القيام بذلك إلا بتمثل الديمقراطية وتكريسها في آليات عمله وفي خطابه الإعلامي بأوجهه المختلفة.
لا يمكن للمرء أن يعيش في حالة من عدم اللامبالاة أو من الانعزالية المفرطة التي يتقوقع من خلالها حول نفسه تاركاً وراءه ما يجري من تطورات ومتغيرات تشهدها الساحة العالمية بوتائر متسارعة ومتلاحقة، وخصوصاً في ظل القفزات النوعية التي حققها التطور العلمي والتكنولوجي أو ما اتفق على تسميته ثورة الاتصالات التي اختزلت الزمن وقصرت المسافات عبر وسائل الإعلام التي جعلت من المجتمع البشري على سعته وكبر حجمه يسمع ويرى ما يحدث من تطورات في سياق الأحداث الاقليمية والدولية في لحظة واحدة وذلك بعدما تحول العالم كما وصفه عالم الاتصالات المعروف مارشال ماكلوهان إلى قرية كونية صغيرة على الرغم من تباعد شماله عن جنوبه و شرقه عن غربه، ويصعب الحديث عن العالم المعاصر دون الإشارة إلى دور ومكانة وتأثير العلم والتكنولوجيا في الحياة المعاصرة اللذين كان من نتاجهما وسائل الإعلام المتطورة التي لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي تلعبه في تدفق الأخبار والمعلومات وإسهامها الفعال في غرس القيم والأفكار وتشكيل الوعي وصياغته لدى الأفراد، ولهذا كانت وسائل الإعلام تحديداً محط أنظار الكثير من المحللين والمختصين وعلماء النفس والاجتماع لما لها من دور كبير ومباشر أحياناً على ردود الأفعال التي من الممكن أن تصدر عن الأفراد أو المجتمع حول قضية ما قد تكون محورية وأساسية في مرحلة معينة من سيرورة المجتمع، فالإعلام له ارتباط وثيق ببناء المجتمع ككل وهو ذو تأثير متبادل مع الأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكافة الأنساق الايديولوجية السائدة في المجتمع ولهذه جميعها عوامل ذات انعكاسات واسعة على السياسة الإعلامية والأهداف التي تنطلق من أجلها العملية الإعلامية برمتها، تلك الأهداف التي يمكن اختزالها في ثلاثة أهداف رئيسة، نقل وتوصيل المعلومات للآخرين، محاولة التأثير في آرائهم وأفكارهم وتشكيلها، الترفيه والتسلية وتزجية الوقت وإملاء الفراغ. هذه الأهداف الثلاثة متداخلة ومتفاعلة فيما بينها، وهي تقوم في جوهرها على الاتصال والتواصل وإيصال المعلومات على نطاق واسع.
إن التطورات التي لحقت بالدول في السنوات الأخيرة جراء المتغيرات الدولية التي غيبت أقطاباً عالمية كانت ذات ثقل ووزن دوليين وشكلت توازناً غير موجود ومفتقد في الوقت الراهن، جعلت الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية مرهونة بشكل كبير للفاعلية التي تجسدها وسائل الإعلام المتنوعة، وخصوصاً في المجال السياسي، حيث اضطلع الإعلام بدور مسيطر من خلال عمله المتنوع وفاعليته المتزايدة لدى الجمهور الذي يتعرض لبثه على مدار الساعة مما يترك لديه الانطباع المطلوب الذي يريده له ذلك الإعلام بناءً على توجهات من يقف خلفه وخدمةً لأهدافه التي يسعى إليها، وكثيراً ما تعتمد وسائل الإعلام الدعاية المنظمة التي تؤمن بها من خلال السياق البصري والسمعي الذي تعرضه بصور وأشكال مختلفة بغرض إقناع الجمهور، والأخير في غالبية الأحيان يميل لقبول شرعية تلك الوسائل عليه وينساق بوعي منه أو عبر الاستلاب الذي يتعرض له للتماثل مع الأهداف الكامنة وراء تلك الدعاية التي من الممكن أن تمارس ضغوطاً كثيرة غير مرئية.
وتسعى النظم السياسية إلى بناء هيكلية إعلامية، تستقطب إليها صفوة رجالات العلم والسياسة والاقتصاد وكافة المجالات الأخرى، لمساندتها ومؤازرة دعواها والدفاع عن رؤاها، ولتتوصل من خلالهم إلى إحداث تأثير كبير لدى المتلقين، الذين يشكلون في النهاية خلاصة الرأي العام، الذي يعمل الإعلام على استمالته لصالح وجهات النظر التي تتبناها تلك النظم وتدافع عنها في وجه رؤى أخرى قد تكون مناهضة ومناوئة لها وتعمل على تفنيد وتحليل مبرراتها المختلفة التي تستند إليها وتقوم عليها.
في سياق العملية الإعلامية تبرز هناك إشكالية وتتجلى في هامش الحرية والديمقراطية الذي يحيط بالعمل الإعلامي الذي يجد نفسه بشكل أو بآخر مرتبطاً بعلاقة تلازمية مع ذلك الهامش يتحدد من خلالها منسوبية التوافق والانسجام أو التنافر وعدم الوئام بين الطرفين.
فكلما اتسع الهامش الديمقراطي أمام العمل الإعلامي تمكن ذلك العمل من مقاربة مشكلات الفرد والمجتمع والبحث في تفاصيلها والاستعانة بالخبرات القادرة على معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، وكلما ضاق ذلك الهامش وانغلق في وجه العمل الإعلامي تراجعت المنجزات والقفزات المجتمعية التي يمكن تحقيقها في سياق التطور والتقدم الضروريين لمواكبة متبدلات العصر المتسارعة، حيث تبقى مشكلات ذلك المجتمع معلقة دون حلول جذرية ذات جدوى يمكن الاستعانة بها والاتكاء عليها للخروج من حالة المراوحة في المكان أو ما يمكن أن نطلق عليه الغيبوبة المجتمعية التي قد تسهر على تكريسها بعض الفئات والأنظمة السياسية صاحبة المصلحة الحقيقية في بقائها وضمان استمراريتها للحفاظ على المكتسبات التي تركزت في يديها.
إن من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الإعلام العربي اليوم هي تنمية وتطوير وتفعيل التضامن بين أبناء الأمة العربية على خلفية تعزيز الإيمان بوحدة الأهداف والمصالح المشتركة والمصير المشترك بعدما بات الجميع في دائرة استهداف واحدة بعد الترويج لمنطق صراع وتناقض الحضارات الذي نادى به صموئيل هنغنتون، ذلك المنطق الذي يهدف إلى إلغاء الآخر عبر استلابه وإخضاعه. ولا يمكن للإعلام العربي القيام بدوره على أكمل وجه إلا من خلال إقدام النظم العربية على حسم الإشكالية بينه وبين الديمقراطية لأن الإعلام هو القادر على تمثل القيم الديمقراطية وتعميمها وتكريسها من أجل صيانة الشخصية العربية والحفاظ على هويتها وكينونتها.
وتأسيساً على ذلك فإن استيعاب راهنية المرحلة بمتغيراتها ذات الإيقاع السريع على جميع المستويات وفي كافة الاتجاهات، واستدراك كيفية التعبير عنها إعلامياً، يعتبر مقدمة أولية، لكي يأخذ الإعلام دوره في مواكبة العصر والتعبير عن روحه المتجددة باستمرار، ومن الضرورة بمكان أن تعيد المؤسسات الإعلامية العربية النظر بمفاهيمها ونظرتها الخاصة لدور وسائل الإعلام التي لم يعد كافياً أن تقتصر فقط على أنها مجرد مرآة تعكس صورة النظم السياسية وتقدم لها طقوس التبجيل والتقديس، فنحن في زمن الخيبات والانتكاسات العربية والعولمة التي تحاول في صيغها وتجلياتها الراهنة طمس إن لم نقل القضاء على ثقافتنا وهويتنا القومية بالكامل، لا بد لمؤسسات الإعلام العربي العمل على إيجاد تراكيب إعلامية مختلفة ومتطورة من ناحية الأداء الحرفي المبني على العلمية والتخصصية ومن ناحية التقنيات العالية وآخر ما توصل إليه العلم في هذا المجال لاستخدامها كأداة لإبراز الهوية العربية وتعريف الآخر بحقيقتها ومن خلالها نستطيع مواجهة الثقافة الوافدة إلينا بطرق وأشكال مختلفة ونتفاعل معها ونتلاقح بما يحفظ لنا ثقافتنا الوطنية والقومية وخصوصيتها.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved