Monday 8th december,2003 11393العدد الأثنين 14 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا من أين أتينا
الدراسات والبحوث.. الإرث المحجور عليه
د. عبدالله بن ناصر الحمود (*)

لو سئلت عن أكثر الأمور إثارة للغرابة في مجتمعنا السعودي، فربما كانت الإجابة تدور حول عدم تفعيل النتائج المميزة والمهمة جداً التي تتوصل إليها الدراسات والبحوث التي تجري فعلياً وبمنهجية عالية جداً في عدد من المؤسسات والقطاعات المجتمعية بشكل عام، وفي الجامعات بشكل خاص.
ولعل هذا الهجران والقطيعة بين المجتمع وعمليات تفعيل نتائج الدراسات والبحوث كان معتاداً خلال عقود مضت، باعتباره من قبيل الأعراف المجتمعية القائمة في دول العالم النامي قاطبة، والمستندة إلى أن كثيراً من الأمور يمكن للمعنيين فهمها والتعامل معها بفراستهم، ومهاراتهم الخاصة!! أما اليوم، فأعتقد أن المجتمع قد ترك ثغرة خطيرة في نسيجه المجتمعي، حيث أصر على الاستمرار في التقليل من تفعيل نتائج تلك الدراسات والبحوث التي تجرى في مختلف الميادين، ولعل الاستثناء من القاعدة مهم هنا، نظرا لما يشهده هذا المجال من اهتمام نوعي خاص في بعض مؤسسات المجتمع التي حققت معدلات جيدة في الفكر والممارسة العلميين، ولكن - دون شك - ليس نتيجة لسياسة مجتمعية متكاملة، ولكن تبعا لتوجهات خاصة من لدن قياديين مهرة رأوا في الجمع بين العلم والمهنة منفعة حقيقية فأخذوا زمام المبادرة في هذا المجال، غير أن المرحلة التي يمر بها مجتمعنا المعاصر تؤكد أهمية التوجه لنفض الغبار من على رسائل الماجستير والدكتوراه خاصة والبحوث العلمية في المجتمع عامة، وإعداد آلية مناسبة لاستقراء الدراسات التي تمت خلال العشرين سنة الماضية - كحد أدنى - في ميدان الدراسات الإنسانية الملحة اليوم والتي من أهمها: علم الاجتماع، وعلم النفس، والإعلام، والتربية، والسياسة الشرعية، إنني أكاد أجزم بإمكانية الخروج من استقراء هذه الدراسات «بخارطة» مجتمعية مهمة جدا للمظاهر الثقافية والاجتماعية للمجتمع، بأسلوب علمي منطقي، تحدد مواطن القوة والضعف فيها وتبين أفضل السبل والوسائل للتعامل معها، إن التوجه الجاد لمثل هذا الأمر لن يتطلب إنشاء هيئة جديدة مختصة أو تكوين لجنة بيروقراطية نمطية، ولكن يمكن التنسيق مع أحد مراكز البحوث أو المكتبات العملاقة القائمة في المجتمع، لتولي هذه المهمة وفق رؤية عصرية مستقلة، وبدافع المصلحة الوطنية الكبرى التي من المتوقع جدا أن تكون كثير من مركباتها بين طيات صفحات تلك الدراسات، ومع الانتهاء من وضع الخارطة المجتمعية للمظاهر الثقافية والاجتماعية، يمكن العمل على إعداد «سياسات» مجتمعية محكمة، ووضع «خطط» طموحة طويلة الأجل، يمكن ترجمتها إلى واقع ملموس من خلال «برامج» تنفيذية دقيقة تقوم عليها مختلف قطاعات المجتمع ومؤسساته، والنتيجة المتوقعة هي، أن نكون أقدر على الفعل والمبادرة في تقصي احتياجاتنا والتعامل معها باقتدار، عوضا عن تبني منهجيات ردود الأفعال، التي تدفعنا لها باقتدار تكتلات مصلحية داخل المجتمع وخارجه، كنتيجة طبيعية لعدم معرفتنا يقينا بكثير من المتغيرات الثقافية والاجتماعية التي تشكل كيانات المجتمع وتؤثر في فكره وسلوكه.

(*)عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved