Monday 8th december,2003 11393العدد الأثنين 14 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
صحافتنا وعقدة الإثارة
عبدالرحمن صالح العشماوي

من المتفق عليه - إعلامياً - أن الإثارة مرض إعلامي خطير إذا أصبحت هدفاً، أو قريبة في أهميتها من أهمية الأهداف والغايات، ومع أن العمل الإعلامي
المحترف المحترم يؤكد خطورة الإثارة الإعلامية إذا طغت على العمل الإعلامي، فإنّ معظم وسائل الإعلام في العالم تعتمد على الإثارة - غير المنضبطة - في الترويج لنفسها، وحينما نقول: «الإثارة غير المنضبطة»، فإننا نقصد الإثارة القائمة على تضخيم المواقف والأحداث والأشخاص، وعلى تلفيق بعض المواقف، وتزوير بعض الأحداث، حتى يصبح القارئ والمستمع والمشاهد تائهاً بين حدثٍ مضخّم، وآخر ملفّق، وثالثٍ مزوّر، وحسبك بهذا المنهج الإعلامي سبباً في إثارة مشاعر القلق واليأس والاضطراب، والانحراف في المجتمعات البشرية.
ولم تخل المسيرة الإعلامية المعاصرة - في معظم بلدان العالم - من مرض الإثارة الذي يسري فيها كما يسري مرض الطاعون الخطير، كما أن المسيرة الإعلامية لم تخل من وسائل قليلة سليمة من هذا المرض، وإذا أصيب بجرثومته سارعت إلى دواء التعقُّل والاتزان والموضوعية واحسّتْ ببرد العافية منه بعد أن ذاقت آلامه وأوجاعه.
إنّ هذه الوسائل الإعلامية التي تتخذ الأساليب الواقية من مرض الإثارة هي التي تخدم الحقيقة، وتؤدي رسالة إعلامية محترمة للناس، وتحقق أهدافاً نبيلة في مجالات التوعية والتثقيف، والتسلية والترويح.
ولعل من بين الوسائل الإعلامية التي لا تعتمد الإثارة أسلوباً لرواجها، وسائل الإعلام - في المملكة العربية السعودية، خاصةً في مرحلة ما قبل الغزو العراقي للكويت، حيث كانت هذه الوسائل تنأى - غالباً - عن أساليب الإثارة.. الرخيصة.. التي تعتمدها وسائل الإعلام المثيرة أسلوباً لأدائها الإعلامي.
وإذا قلنا: «كانت» ، فإننا نشير بذلك إلى أن تغيُّراً قد طرأ على بعض «الصحف والمجلات» السعودية، جعلها تتأثّر بأساليب الإثارة غير المنضبطة الموجودة في عالم اليوم، وظلت الوسائل المسموعة والمشاهدة بعيدةً - إلى حد كبير - عن هذا التغيُّر الذي أشرنا إليه.
ونحن لا نقصد التعميم، فإنّ التعميم في كل المسائل خطأ يجب علينا جميعاً ألا نقع فيه، ولكننا نشير إلى أسلوب الإثارة - خاصةً في المشكلات الاجتماعية والأسرية - الذي بدأ يطلُّ علينا برأس قبيح أخشى أن يتضخم حتى يصبح مصدراً للقلق وإثارة الفتنة والبلبلة في مجتمعاتنا.
لست هنا بصدد ذكر صحف بأسمائها وإنما نريد أن ننبّه إلى المشكلة بذاتها لخطورتها على مجتمعنا، حتى من الناحية الأمنية.
هيا نقرأ معاً هذه الأخبار «ولدٌ يقتل أباه بعدد من الرصاصات أطلقها على رأسه، أب اعتدى على إحدى بناته، ربُّ أسرة قتلهم جميعاً، ثلاثة من الشباب اختطفوا فتاة واغتصبوها، أب وجده أهله مشنوقاً في أحد أعمدة درج المنزل، امرأة شنقت نفسها بعباءتها، امرأة تطعن زوجها بالسكين حتى الموت...» إلى آخر هذه الأخبار المثيرة المزعجة التي تُقدّم لنا في بعض صحفنا بأساليب مثيرة وصورٍ تكاد تشعر القارئ بأن الأمن قد أصبح مختلاً إلى درجة خطيرة تثير القلق والاضطراب والخوف.
نحن لا ننكر أن هنالك احداثاً وأعمالاً إجرامية تجري في بلادنا، لأننا نعلم أننا جزء من المنظومة الدولية التي تنتشر فيها هذه الأعمال والأحداث.
ولكننا ننكر هذا التهافت على أساليب الإثارة عند بعض صحفنا الذي لا يخدم مجتمعنا واستقراره وأمنه، أبداً، وإنما هو كفيل بنشر هذه الأخبار حتى تصبح أحاديث في مجالس الناس العامة والخاصة، بكل ما يُوردُ معها من التفاصيل الصحيحة وغير الصحيحة، وما يعتورها من زيادات الرُّواة ومبالغاتهم، وعند ذلك سيكون لها أثرها السلبي، تربوياً ونفسياً - في نفوس ناشئتنا وأجيالنا.
كيف يمكن ضبط هذه المسألة؟
سؤال نوجهه إلى وزارة الثقافة والإعلام، وإلى المؤسسات الصحفية، وإلى أصحاب الخبرات الصحفية في بلادنا، ولربما نوجهه إلى الجهات الأمنية التي تدرك الأثر السلبي للتوسع في باب الإثارة الإعلامية غير المنضبطة.
وهو سؤال موجه بصفة خاصة إلى علماء وخبراء التربية وعلم النفس ليوضحوا أثره السلبي في نفوس الناشئة.
إشارة


أقدارنا - ليس لنا حيلة
تنأى بنا حيناً وتدنينا

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved