Monday 8th december,2003 11393العدد الأثنين 14 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
بلادنا أولى بـ «انتفاضة» هؤلاء المثقفين!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

نشرت صحيفة «الاقتصادية» في عددها الصادر بتاريخ 18/نوفمبر/2003م تقريراً مطولاً حول «بيان تضامني» وقّعه مائة وخمسة عشر مثقفاً سعودياً يتقدّمهم المحامي الأستاذ محمد سعيد طيب والروائي عبده خال، أعلنوا من خلاله تأييدهم لموقف الروائي المصري صنع الله إبراهيم، الذي رفضَ في وقتٍ سابقٍ أمام حشد مهيب في دار الأوبرا المصرية تَسلّمَ «جائزة الرواية العربية» احتجاجاً منه على مواقف «التطبيع» مع الكيان الصهيوني، والمظالم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، أرضاً وإنساناً!.
**
* وقد شدّني ذلك التقريرُ من كلّ صَوب، ولم أجد مفرّاً من التعليق على بعض ما جاء فيه أوجزُه في البنود التالية:
* أولاً: كلُّ إنسان شريف يُدينُ «الإرهابَ» الصهيوني الغاشم الذي تمارسه الطغمة الظالمة في تل أبيب، لكن، هل كان من الحكمة أو العقل ممارسة هذه الإدانة عبر احتفالية ثقافية صرفة لا ناقة للسياسة فيها ولا جمل؟ كلُّ ما هنالك أن «الرواية العربية» كرَّمت مَن ظنّت إنه يملك الباعَ الأطولَ من الإبداع فيها، ثَراءً وإثراءً، ولا شيءَ سوى ذلك؟!.
**
* ثانياً: يُفهمُ من سياق التقرير الصحفي المشار إليه أن الروائي المصري صنع الله إبراهيم، معارض يساري قديم منذ عهد الرئيس عبدالناصر حتى الآن، وإخالُه أرادَ أن «يستثمرَ» مناسبة تكريمه باستقطاب المزيد من الأضواء الدعائية لصالح موقفه السياسي «المعارض»، فيرفضُ «جائزة الرواية العربية» الممنوحة له، ويختطف بذلك الاحتفال الثقافي الى مجاهل السياسة ومفازاتها!.
**
* ومرة أخرى، يقفزُ الى الذهن سؤال: هل كان من العقل أو الحكمة ممارسة ذلك «الخلط» بين السياسة والثقافة عبر ذلك الزمان وتلك المناسبة، أو «المزايدة» على مشاعر ضيوف حفل التكريم الآخرين، الذين يماثُلونُه أو يزيدون غيظاً وغضباً على ممارسات العدو الصهيوني الغاشم، لكنَّ لكلِّ مقام مقالاً، و«السياسة» لم تكن مدعُوةً الى عرس «الرواية العربية» وهي تكرم أحد رموزها!.
**
* ثالثاً: عَجِبتُ واستبدّ بي العجبُ إزاءَ ما أسماه التقريرُ الصحفي «بيان المثقفين السعوديين «التضامني» مع الروائي صنع الله إبراهيم» وتَساءلتُ: هل كان لابدّ أن يُبادرَ مائة وخمسة عشر مثقفاً سعودياً، بإصدار بيان يعلنُون من خلاله «الولاءَ» لما فعله صنع الله إبراهيم، برفضه جائزة تكريمه، «والبراءَ» مما تفعله إسرائيل في فلسطين!.
**
* ويتجلى عجبي مما فعله «المثقفون السعوديون» في التالي:
1- كرَّرُوا «الخلط» الذي «افتعله» صنع الله إبراهيم، «بتهريب» السياسة من الباب الخلفي الى حفل ثقافي صِرف، فهل كان هؤلاء «المثقفون السعوديون» يبحثُون أيضاً عن «الأضواء»، مثلَمَا فعل الروائي صنع الله إبراهيم، عَبر دهاليز السياسة، التي لم تكن «مدعوةً» أصلاً أو فرعاً الى ذلك الحفل، أم أنهم وصَفَهم ساخراً الكاتبُ والأديبُ علي العميم، أرادُوا بذلك «تسجيلَ حضور» عبر ذلك البيان؟!.
**
2- هل جَهِلَ الموقّعُون على بيان التأييد والتمجيد للروائي المصري سالف الذكر أم تجاهلوا أنه لم يكن على وفاق قط مع أيّ نظامٍ في بلاده، منذ ثورة 1952م حتى الآن.. بسبب إصراره فيما يبدُو على «حتمية» تطبيق النموذج الماركسي الشيوعي في بلاده، وفقاً لما جاء في تقرير «الاقتصادية» المنوّه عنه في صدر هذا المقال، وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فإن الرجل أراد برفضه جائزة «الرواية العربية» «تسديدَ» هدفٍ سياسيّ في «مرمى» بلاده، إمّا طَمَعاً في كَسب المزيد من الشيوع والذيوع، فوق أكتاف الجائزة الأدبية، وإمّا إحياءً لموقفه اليساري القديم الذي تَهاوَىَ مع سقوط الماركسية في عقر دارها؟! وفي كلا الحالين أتساءل: ما علاقة المثقفين السعوديين بهذا أو ذاك؟! ولماذا تفردُوا بمبادرة «المباركة» لبطل الجائزة عَمَّنْ سواهم من المثقفين العرب، سواءً من حَضَر حفلَ تكريمه أو لم يحضر؟!.
**
3- أخيراً وهو الأهمُّ: أن «بيان المثقفين السعوديين» سالف الذكر، تزامن مع وقائع الإرهاب الغاشم الذي شهدته بعض مناطق بلادنا حرَسَها الله، وراح ضحيته أبرياءُ مسلمُون، وغيرُ مسلمين من أهل الذّمة، فلماذا لم «ينتفض» هؤلاء المثقفون السعوديون «ولاءً» لهذا الوطن، و«براءً» من إثم الاثمين؟!
**
* اختم هذا الحديث بما يلي:
* أولاً: أنني لا أشكّكُ إطلاقاً في «ولاء» هؤلاء المثقفين لوطنهم ولا أحرض كائناً من كان عليهم، لكنني أرى أن وطنهم كان «أولى» بموقف «الولاء» والتأييد قبل غيره من العالمين!.
**
* ثانياً: لم أدْعُ قط ولن أدعوَ الى مصادرة حق أيّ مثقف أو مثقفة في التعبير عما يراه حقاً أو باطلاً، لكن أن ينبريَ نفرٌ من مثقفينا بلغ عددُهم 115 مثقفاً ومثقفة بإصدار «بيان تأييد» لروائيٍّ مجهُولِ الصِّيت، مهجُور الذكر، إلا في بلاده، فذاك ما أنكره بل استنكرُه، مؤكِّداً أن بلادنا كانت أحقَّ بالحروف التي رُسمتْ تأييداً لها في محنتها، وتلمُّساً لسبل الخلاص من فُلول الإرهاب وآثامه، والله المستعان!.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved