أليم أن نتكلم عن الغياب...
ما أضيق الصدور به...
وما أشد ما يوحي بالوحشة والغربة...
فليكن الكلام عن الحضور...
أجل.. لن يغيب من قضى عمره يغرس الحضور في زمن الغياب...
أجل.. لن يغيب البياض الذي يأبى الزمن إلا أن يجعله كذلك..
رحل الإنسان طلال الرشيد، ذلك أننا كلنا راحلون...
لكنه باقٍ في ذاكرة البياض، وما جميعنا بباقين...
وهل من السهولة أن يكون الكل كذلك الحر العريب؟!!
وهل من السهولة أن يكون الكل ذا شموخ وصاحب قلب حبيب؟!
لا وربي الكريم... فالله جعله ممن لا يغيبون بما حباه من صفات نقية، لا تشوبها دواعي الغياب... صفات يبقى صاحبها أثيراً في النفوس، حتى تألفها النفوس حضوراً لكل معاني الصفاء... طلال الرشيد كان كل ذلك، فهل هناك شكٌ في هذا الحضور؟!!
كأني به الآن يجلس بين كل جمع يذكرونه..
يؤانسهم، ويسامرهم..
ينهلون منه: الطيبة، والرجولة، والكرم، والإباء..
وكلهم سواء في مجالسته...
ليس كجلوسه مع آحاد في حياتنا المعتادة...
بل هو الحضور لدى الجميع.. بكل ما يعنيه الحضور...
حضر طلال...
أجل.. حضر طلال في اليوم الذي يظنه الكل أنه غاب...
أجل.. حضر طلال في اليوم الذي يحسبه الكل أنه غياب..
وشع البياض من نفسه الطاهرة.. لأن البياض ديدنه...
ألا ترون ذلك الإشعاع طيفاً يجول في الصدور؟!!
بلى.. ولولا هذا لما انهمرت الدموع كنهرٍ حزين..
بلى.. ولولا هذا لما اشتد الخطب بصبر الرجال..
ها نحن نسمع طلال قصيدةً متجددة..
مطلعها: إنسان..
أبياتها: العز، الفخر، والوفاء، الإباء، الكرم، الشمم، والقائمة تطول...
قافيتها: رقةُ الإحساس وعذوبةُ التعبير..
وليس لهذه القصيدة بيتٌ أخير..
لأنها قصيدةُ خلود..
لأنها حضورٌ في ذاكرة البياض..
ها نحن نراك أيها البياض في كل شيء جميل..
وها أنت أيها البياض تنعشنا بهذا الحضور..
|