الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد وصلى الله وسلم على نبينا محمد.. وبعد:
إن مظاهر العنف والتفجير والاغتيالات في عالم اليوم كثيرة ومتنوعة وهي في حقيقتها نتيجة مؤلمة مؤسفة تجرح القلب السليم وتدمي الفؤاد وتجعل أمن المسلمين في خطر وايمانهم في قلق ومظاهر العنف المشاهد في عصرنا الحديث منها ما له طابع اجرامي وهذا موجود في كل بلاد العالم تقريباً من سطو بالاكراه، واغتصاب، وقتل ونحو ذلك، وإن كانت بلادنا - والحمد لله - أقل البلدان في ذلك وهذا بفضل الله ثم بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية، وهناك بعض مظاهر العنف والتفجير والاغتيال ذات الطابع السياسي أوالطائفي والعرقي، وتشمل ما نسمع عنه من حروب أهلية هنا وهناك، وخطف للطائرات، وعمليات اغتيال، وتفجيرات، وغير ذلك وهذه كذلك موجودة في كثير من بلدان العالم، اسلامية أو غير اسلامية، حتى في أكبر دول العالم وأقواها وأكثرها تقدماً.
هل العنف ظاهرة خاصة بالمسلمين؟ أم هي ظاهرة عالمية؟
- من خلال اجابتي عن السؤال السابق يتضح أن العنف ظاهرة عالمية لها أسباب متعددة: سياسية واجتماعية، واقتصادية ودينية، وليس خاصاً ببلاد المسلمين فقط، بدليل أن كثيراً من مظاهر العنف في العصر الحالي لا دخل للمسلمين بها، وذلك كالصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا، والعنف بين الحكومة ومنظمة ايتا الانفصالية في اقليم الباسك باسبانيا، والجماعات الارهابية العالمية المعروفة كالألوية الحمراء في ايطاليا، والجيش الأحمر في اليابان، وبادرما ينهوف في ألمانيا والطريق المضيء في بيرو، وغير ذلك.
بل إن المسلمين هم الضحية في كثير من مناطق الصراع كما حدث في البوسنة، وكما يحدث في الشيشان وكشمير وغيرها، فالحاصل أن العنف ظاهرة عالمية موجودة في معظم دول العالم.
كيف نشأت هذه الظاهرة؟ وكيف تطورت عبر التاريخ الاسلامي؟
* ولما رفض ذلك قتلوه مظلوماً* ثم تطور الأمر إلى محاولة حل الخلاف بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه بالحرب، ونتج عن ذلك قتل علي ومحاولة قتل معاوية وعمرو بن العاص ثم ظهرت الجماعات السرية المناوئة لولاة الأمور في عهد الدولة الأموية، وحاول هؤلاء مواجهتها والقضاء عليها بالقوة، واستمر الأمر كذلك في العصر العباسي، وتطورت الأمور إلى ما صارت عليه الآن كما نراه من حولنا، حيث توجد فرق بعضها لا ينتمي إلى أهل السنة والجماعة كالباطنية من الاسماعيلية والبهرة وغيرهم، وهؤلاء يلجأون إلى العنف كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، وبعضها ينتسب إلى أهل السنة والجماعة، لكنهم خالفوا طريقة السلف حيث حاولوا تغيير أنظمة الحكم في بعض البلدان الإسلامية عن طريق الثورات والاغتيالات والتفجيرات وغيرها، وهؤلاء مخطئون جداً مخالفون لمنهج السلف، وينبغي التحذير من طريقتهم ومنهجهم، ومحاولة ردهم إلى الحق بكل وسيلة ممكنة.
أهم الأسباب التي أدت إلى نشوء العنف في العصر الحاضر، وهل هي قابلة للازدياد والتفاقم؟
الحقيقة أن هذه الظاهرة لها أسباب متعددة نحاول اجمالها فيما يلي:
أولاً: أسباب سياسية: وتتمثل في وجود بعض الأفراد والجماعات والأحزاب ذات الطموحات السياسية والتطلعات السلطوية، فهذه قد تنتج العنف وتثيره في المجتمع لأجل تحقيق أهدافها، وقد تكون بعض هذه المظاهر أحياناً عبارة عن ردود أفعال غير مسؤولة وغير منضبطة أو متزنة تجاه بعض الممارسات التعسفية من قبل بعض الحكومات التي لا تطبق شرع الله تعالى.
ثانياً: أسباب اجتماعية: نتيجة لاختلافات عرقية، كما حدث في رواندا وبورندي وغيرها وقد تكون نتيجة للطبقية والظلم الاجتماعي.
ثالثاً: أسباب اقتصادية: نتيجة للفقر المدقع لبعض الطبقات في بعض البلدان، فقد تنتهج العنف وسيلة لتحسين وضعها أو استرداد حقوقها.
رابعاً: دوافع دينية: وهذه قد تحدث في بعض البلدان نتيجة لعصبية دينية باطلة، كما حدث للمسلمين في البوسنة على يد الصرب النصارى بدوافع دينية، وقد تكون نتيجة للفهم الخاطئ للنصوص الدينية كما يحدث في بعض المجتمعات الإسلامية.
وأرى أنه ما لم يتم محاولة بحث أسباب هذه الظاهرة عبر العالم ووضع الوسائل الصحيحة لعلاجها والقضاء عليها فإنها مرشحة لمزيد من التفاقم.
ثالثاً: الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم من اضطهاد للمسلمين وضعف وتمزق:
وهذا أيضاً من أسباب وجود ظاهرة العنف في العالم الإسلامي، فإن مظاهر اضطهاد المسلمين في كثير من بلدان العالم، وما يتعرضون له من ظلم، بل وإبادة كل هذا يولد ردود فعل سيئة، خصوصاً عند الذين لا ينضبطون بضوابط الشرع، فيحاولون الانتصاف للمسلمين عن طريق مواجهة أصحاب الديانات الأخرى وغيرهم بشيء من العنف على شتى صوره وأنواعه، وذلك كنوع من رد الفعل، غير أن هؤلاء يفوتهم أن الإسلام وضع حقوقاً لأهل الذمة ولغير المسلمين القادمين إلى بلاد الإسلام بعهد أمان لا ينبغي تجاوزها والاخلال بها.
رابعاً: الخلط بين مفهوم الجهاد والعنف:
هذا كذلك من هذه الأسباب، فإن بعضاً من المنتمين الى التيارات الإسلامية والغيورين على الإسلام قد خلط بين مفهوم الجهاد للكفار والمنافقين، بالسيف واللسان والمال، وبين العنف مع الخصوم في الرأي والمخالفين من أهل المعاصي والفسوق، فتعامل معهم بالمنطق الذي لا يكون إلا مع الكفار والمنافقين الذين أوجب الإسلام جهادهم، وهذا الخلط بعضه يرجع إلى الهوى، وبعضه يرجع إلى الجهل وفقدان التوجيه، وانعدام أوقلة الموجهين القادرين المؤهلين من أهل العلم المعتبرين.
الحل الأمثل للتصدي لظاهرة العنف:
إن الحل لهذه المشكلة لا يكمن في معالجتها باعتبارها مشكلة اجرامية، لكن باعتبارها مشكلة لها خلفيات ودوافع متعددة، لذلك فالحل ليس حلاً أمنياً فقط.
ومن الأمور التي لها علاقة بتنامي ظاهرة العنف في العالم الإسلامي:
أولاً : عدم وجود مرجعية موحدة للمسلمين في العالم والاختلاف في فهم الإسلام:
لاشك ان هذا من أسباب وجود وتنامي هذه الظاهرة، فإن الأمور تطورت حتى أصبح العالم المشهود له بالعلم في بلد قد لا يعترف به في بلد آخر، وعلى ذلك اتخذت كثير من الجماعات والفرق والأحزاب «رؤوساً جهالاً فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه وذلك لأن بعض هؤلاء المفتين والرؤوس يفتي بغير علم، وقد يتخذ مذهباً ضعيفاً لا دليل عليه، أو يفتي على أساس مذهب مخالف لأهل السنة، ويتابعه في ذلك مؤيدوه، مع العلم أنه يوجد هيئة لكبار العلماء في المملكة العربية السعودية تشمل علماء راسخين في العلم يحسن الرجوع إليها والأخذ برأيها.
ثانياً: الانحراف الفكري في فهم الإسلام، ودور الفرق الباطنية وأصحاب العقائد المنحرفة:
لا شك كذلك في أن هذا السبب من أهم أسباب نشوء وتنامي هذه الظاهرة، فانحراف كثير من الناس عن جادة الصواب، وعن منهج السلف في فهم وتقييم الأمور أدى إلى نشوء هذه الظاهرة حيث راحوا يفهمون الدين بأهوائهم، ويلوون عنق النصوص أو يفسرونها بما يعجبهم، وبما يخدم مذاهبهم الفاسدة، كذلك فإن الباطنية وأصحاب العقائد المحرفة لهم دور كبير في ذلك، فهم أصل هذه الظاهرة منذ عهد عثمان رضي الله عنه وهم الذين يحاولون الترويج لهذه المذاهب التي دعا إليها الخوارج والمعتزلة منذ القديم وما زالوا يحاولون الدعوة لها وتشجيعها في كثير من بلدان المسلمين لكنه حل وعلاج للدوافع والأسباب التي أفرزتها، ويتمثل هذا الحل فيما أرى في الأمور التالية:
1- نشر الوعي الإسلامي الصحيح بين صفوف الناس، ولا سيما الشباب أهل الدين.
2- ربط الشباب بالعلماء أصحاب الدين والعلم الراسخ، وتقوية العلاقة بينهم حتى يكونوا مصدر توجيه للشباب، ومحاولة سد الفجوة التي تفصل بين قطاعات من هؤلاء الشباب وبين العلماء.
3- محاولة القضاء على المظاهر التي تتناقض مع الإسلام سواء في الشارع أو في وسائل الإعلام أوغيرها، وذلك من قبل ولاة الأمور، لأن هذا التناقض من أهم اسباب نشوء هذه الظاهرة وتناميها.
4- محاورة هؤلاء المنتهجين للعنف من قبل أهل العلم والدين، والاجتهاد في ردهم للحق بالحجة والبرهان كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما مع الخارجين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
5- تطبيق شريعة الله - تعالى - في البلدان الإسلامية التي لا تطبقها، فإن عدم تطبيقها هو من أهم - إن لم يكن أهم - أسباب نشوء وبروز ظاهرة العنف، والتي تنتشر أكثر في هذه البلدان.
6- محاولة رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للطبقات المحرومة التي قد تحقد على غيرها من طبقات المجتمع العليا وسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
اضافة إلى كل هذه الحلول فلا مانع من العمل الأمني لأجل احباط أي أعمال ارهابية خارجة على شرع الله ومعاقبة مرتكبيها بما تقتضيه الشريعة الإسلامية.
|