ما يؤلمني ويجعلني أمام مفارقة وطنية محزنة، هو كوني أرى اسم وطني السعودية، وشعارها السيفين والنخلة، يعلو طائرات الخطوط السعودية، التي بدورها تروج لممارسات أبعد ما تكون عن حلم هذا الوطن وما يحاول تقديمه للعالم من واجهة حضارية لما يتعلق بالانضباط والالتزام المهني والوعي العميق بأهمية الدور الذي تمارسه بين مطارات العالم ومدى انعكاس هذا الدور على السعودية كوطن وكمنجز حضاري وكسمعة.
وقد لا تكون القضية فردية لكنها شكوى العديد من المسافرين المستقلين لتلك الخطوط، ولكن يبدو أنني وزوجي نقضنا اتفاقاً سابقاً مبرماً بيننا على عدم استعمال أي رحلة للخطوط السعودية خارج الوطن بناء على تجارب مريرة ماضية.
ونكتفي بالاضطهاد الذي تمارسه علينا في الرحلات الداخلية، ولكنه يبدو بأننا يوم (20) نوفمبر الماضي تحللنا من هذا الاتفاق نوعاً ما وتبنَّينا شعاركن سعوديا وسافر على الخطوط السعودية.
فقدمت لنا الخطوط السعودية هذه التجربة، كنا قد حجزنا على الرحلة رقم (554) المتجهة الرياض دبي وموعد إقلاعها الساعة الثالثة عصرا، وعلى الرغم من أن بصحبتنا أطفالنا والسفر عموما بصحبة الاطفال يصبح أكثر مشقة، ولكننا كنا في المطار في تمام الساعة الواحدة ظهراً، أنهينا إجراءات الصعود وانتظرنا في صالة الانتظار كأي مسافرين ملتزمين بالمواعيد.
وفي تمام الساعة الثالثة إلا... طُلب منا الصعود إلى الطائرة وبعد فترة انتظار في الطائرة لما يقارب من الساعة والنصف أعلن الكابتن عدم وجود ماء على الطائرة، تخيلوا التصحر وصل إلى الطائرات، وثم ما هذا الاكتشاف المتأخر لفريق الصيانة الذي تم بعد صعود الركاب إلى الطائرة بساعة ونصف؟
ولكم أن تتخيلوا فترة الانتظار الطويلة بصحبة الأطفال بين صياحهم وتململهم وتذمرهم داخل مساحة الطائرة المحدودة، ومن ثم طلب منا قائد الطائرة مغادرة الطائرة لإصلاح العطل، وناولونا وجبات الإفطار في أيدينا كأي متسولين على بوابة مسجد وحينما أبدى بعض المسافرين تذمرهم وقالوا هي المرة الأخيرة التي سنستقل بها هذه الخطوط، أجاب طاقم الطائرة بنزق وتذمر بسلامتكم.
بعدها عدنا إلى أرض المطار وأُعلن تأجيل الرحلة إلى الساعة السادسة، وانتظرنا في صالة المطار لا ندري عن وقت الإفطار إلا من الساعة فلم يشعرنا أحد بهذا ولم نسمع صوت الأذان، واتصلنا بأهلنا في الرياض نسألهم: ها أفطرتوا؟
قالوا لنا: الحمد لله على السلامة.
قلنا: السلامة نشك في أمرها مع الخطوط السعودية.
انتظرنا دون إعلان لأذان المغرب، دون أي مندوب من العلاقات العامة لتلك الخطوط يحاول أن يأخذ المسافرين إلى«lounge»خاص كما تفعل الخطوط العالمية التي تحترم سمعتها أو على الأقل مندوب يستمع لشكاوى المسافرين ويحاول أن يحل مشاكلهم المتسببة من هذا العطل، ولم يكن هناك سوى وجوه علاها التذمر وصياح الأطفال، في الساعة السابعة مساء أُذيع إعلان صعود الطائرة فتوجهنا إلى هناك، وأيدينا على قلوبنا من الذي سينتظرنا ولكنها أقلعت الرحلة أخيراً بسلام.
عندما نقص هذه القصة على البعض يستغربون تذمرنا فيقولون ما أصابكم هو غيض من فيض وقطرة من بحر تتلاطم فيه المشكلات والتأخير، والتلاعب بالوقت والمسافرين عبر مطارات العالم.
السؤال الآن هنا في وسط التوجه الجاد نحو الإصلاح وإعادة الهيكلة في هذا الوطن، ألا تستحق هذه الخطوط وقفة جادة وعميقة وجذرية، أو وضع شعار يتناسب مع خدماتها، وما تحمله إلى أقاصي المعمورة، لا يبدو أن أحداً يبالي بهذه الأمور فقط طاقم الطائرة الذي يقرع ويوبخ المسافرين بكلمة (بسلامتكم).
|