تحاول دوائر ومؤسسات اختراق مجتمعنا إعلاميا، متلبسة بمظاهر المهنية والموضوعية، متناسية أنها كثيراً ما تنزلق في مهاوي الذاتية واللامهنية. وأعتقد - لذلك - أن دور الإعلام السعودي، في زمن التغيرات العالمية المتسارعة تلك، أكبر من أي دور مضى. فيطلب منه هذه المرة بشكل أبلغ وأعمق أن يكون إعلام رسالة وأمانة، ودفاع عن مكتسبات الوطن والمواطن، ومصدراً متطوراً جداً للمعلومات الدقيقة الآنية عن كل ما يريد المواطن معرفته. وهو إعلام يجب - إذا ما أُريد له منازلة الإعلام المضاد بمهنية عالية - أن يعتمد المعلومة الدقيقة، والمصداقية في الطرح، والآنية في متابعة الأحداث وتقديمها بشفافية عالية.
وبذلك يكون الإعلام السعودي فاعلاً ومؤثراً دون الحاجة إلى أن يسعى لمواجهة الإعلام المضاد بلغته نفسها (لغة الهجوم والمواجهة) وذلك لسببين رئيسين: أحدهما، مهني، وهو أن الأسلوب الهجومي والذاتي جداً لا يتفق مع واقع العمل الإعلامي والتقني المعاصر الذي يتسم بتعدد كبير جدا في وسائل الحصول على المعلومات والبيانات. والثاني، علمي، مفاده أن الذي يتحكم في العملية الإعلامية المعاصرة هو الجمهور المستقبل، وليس الوسيلة، مهما بلغت قدرتها التقنية على الوصول.
ولذلك، أعتقد بأهمية التعقل والتأني في التعامل مع الإعلام المضاد، وأن لا تكون ساحتنا الإعلامية ساحة فعل الآخرين ورد فعلنا بل يجب أن نتوجه نحو التخطيط السليم والدراسة المتأنية لكل خطوة تقدم عليها وسائل الإعلام، فتحدد الأهداف بعناية وتوضع الخطط المرحلية بدقة متناهية بغية الوصول إلى نتائج إيجابية، حيث يمكن أن يعزى الفشل الذي تمنى به بعض الممارسات الإعلامية إلى عدم اكتراث القائمين عليها بالأعراف المهنية المستقرة، مما يترتب عليه إرسال رسائل لا قيمة لها إلا في ظن من يعتقد أهميتها، ومحاولة الوصول إلى نتائج لم تحدد وسائلها تحديداً دقيقاً. وبذلك فإن نجاح الإعلام السعودي في التعامل مع الإعلام المضاد يعتمد اعتمادا كبيرا على مدى إدراك القائمين عليه أن الجمهور السعودي جمهور (نشط) (واع) (فطن) يعرف من أين يستقي المعلومة وكيف يزنها ويقيمها، في ضوء معطيات العصر، وظروفه المتعددة. فلا بد إذاً من أن يتنبه الإعلاميون إلى ضرورة الربط بين الحاجة إلى إدارة أزمة مجتمعية قائمة، والأسس العلمية والمهنية لحرفة الإعلام والاتصال من خلال التوظيف الجيد لمعايير العمل الإعلامي القائمة على المصداقية والآنية والشمول، فبقدر ما يعتقد جمهور وسائل الإعلام بتحقق تلك العناصر في وسيلة ما، فإن تلك الوسيلة ستحظى لديه بقدر مرتفع من التعرض والاستجابة، بصرف النظر عن هوية تلك الوسيلة أو مصدرها. والنتيجة النهائية هي أن يكون هذا العمل الإعلامي فاعلاً ومؤثراً.
|