«كان جرحاً فبرئ».. مثل عربي قديم وقد صاغه تمثلاً أحد الأفراد الذي فقد أحد أفراد عائلته فتولاه الحزن عليه وأخذ يبكيه بكاء مرا.. مريراً وبينما هو كذلك توقف فجأة عن البكاء وانخرط في شؤون حياته. هذا وحين سألوه لِمَ أقلع عن البكاء فجأة.. أجاب بقوله: «كان جرحا فبرئ». وبكل صراحة فقد تردد هذا المثل العربي في ذهني كثيرا وذلك حينما كنت وحيدا في غرفتي في أحد الفنادق بالخارج أشاهد «الرياض» من بعيد وهي تحتفل بالعيد وقد لبست أحلى فساتين زفافها إلى حيث الطمأنينة والأمن والثقة بالحاضر والمستقبل بإذن الله. لقد أحسست في الواقع بخلجة من الفرح إلى الدرجة التي أبكاني فيها الفرح.
إنها بالأحرى قصة - لا صلة لها بالحب الخيالي - بل هو الحب الحقيقي ذاته.. أو فلنقل إنها كانت ثلاث لحظات: أولاهما إحساسي وأنا أتأهب لمغادرة الرياض بحزن الرياض وبأنني كنت أودعها وهي دامعة.. قلقة.. تتمتم ألماً بقول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
فقط لتطل اللحظة الثانية وأنا بعيد عن الرياض أرقبها من بعيد لأشهد محياها باسما وهي تحتفل بالعيد وتحتفي بالحياة.. بينما يحيط بها الآباء والأبناء والأحفاد وكأن كل فرد منهم يردد قول الشاعر:
إني لأبذل أنفاسي بلا ثمن
حتى أراك كما أهواك يا وطني
|
أما اللحظة الثالثة والأخيرة فموعدها العودة إلى الرياض حيث رأيت تباشير الخير بزخات المطر على وجنتيها.. حينها تخيلت الرياض بكراً من جديد..
تغتسل بعطر ماء ورد السماء الجديد.. الطاهر.. الطهور. لحظتها رفعت رأسي للسماء ودعوت بالصمت سامع الجهر والصمت بأن يحفظ لنا الوطن..
والوطن الرياض.. وكل مدائن الوطن لنا رياض.
|