* كتب محمد الخضري:
استكمالاً لما نشرته (الجزيرة) في عدد أمس السبت.. استطلاعاً لآراء.. الاقتصاديين حول الميزانية القادمة يتحدث اليوم معالي الشيخ محمد ابا الخيل وزير المالية الاسبق عن رؤيته وقراءته لواقع الاقتصاد الوطني في ظل التحسن الذي يشهده رغم الظروف والمتغيرات التي يشهدها العالم وتشهدها منطقتنا، مشيرا الى ان الاقتصاد السعودي لم يعد اقتصادا بسيطا صغيرا يتأثر بالأحداث الطارئة وتوقفه مثل هذه المعوقات لأنه حسب قوله من اكبر الاقتصاديات في الدول النامية واصفا اياه بأنه يمثل ربع حجم اقتصاد جميع الدول العربية مجتمعة ولذلك فإن تأثير مثل هذه الحوادث يكون محدوداً وطارئاً موضحا ان مشكلة العراق وزيادة الضغوط الاعلامية التي تمارسها بعض الأجهزة والدوائر الاعلامية في الدول الغربية لاسباب سياسية قد أدت الى تضخيم تأثير الوضع العام في المنطقة.
وأوضح أبا الخيل أن هناك خلطا في مفهوم برامج التخصيص وقال يجب ان نفرق بين برامج التخصيص والاخرى لبيع الحكومة لما تملكه من أسهم في شركات قائمة مشيرا الى الدور الذي يقوم به صندوق الاستثمارات العامة التابع للحكومة في هذا المجال.
كما أشار الشيخ محمد ابا الخيل في سياق حديثه إلى سوق الاوراق المالية والدور الذي قامت به مؤسسة النقد العربي السعودي بعد ان اكملت اقامة ادارة كفؤة وأجهزة متينة متطورة لسوق الأسهم المحلية القائمة حاليا ويرى ان مهمة السوق أصبحت سهلة نسبياً وما عليه سوى المحافظة على الأسس القوية لتحقيق الاهداف الاضافية الجديدة التي نص عليها النظام لاقامة سوق مكتملة للأوراق المالية.
كما تحدث معاليه عن الكثير من القضايا الاقتصادية عبر هذا الحوار:
* كيف تقرؤون واقع الاقتصاد الوطني من خلال هذا التقرير، وهل استطاع اقتصادنا تجاوز الآثار السلبية للاحداث التي شهدتها المنطقة؟
التقرير يعكس المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد الوطني فهو نشط في قطاعات ومتباطئ في قطاعات اخرى وهو ايضا يعكس الاهمية الحاسمة للبترول في النمو الاقتصادي وفي ميزان المدفوعات.
اما تأثير الحوادث الداخلية الطارئة فإن الاقتصاد السعودي لم يعد اقتصادا بسيطا صغيرا يمكن ان توقفه الاحداث الطارئة فهو من اكبر الاقتصاديات في الدول النامية الصغيرة وهو يمثل ربع حجم اقتصاد جميع الدول العربية مجتمعة ولذلك فإن تأثير مثل هذه الحوادث يكون محدوداً وطارئاً وليس اكثر من ذلك وقد لاحظنا جميعا كيف ان سوق الاسهم السعودية لم يتأثر بما حصل ولكن الوضع السياسي العام لمنطقة الشرق الاوسط هو العامل السلبي الرئيسي الذي يؤدي الى تباطؤ الاستثمارات الجديدة التي يحتاجها النمو الاقتصادي وهذا الوضع العام وان كان قائما منذ سنوات الا ان اضافة مشكلة العراق وزيادة الضغوط الاعلامية التي تمارسها في الوقت الحاضر بعض الاجهزة والدوائر الاعلامية في الدول الغربية وخصوصا في الولايات المتحدة وانكلترا لاسباب سياسية قد ادت الى تضخيم تأثير الوضع العام في المنطقة على قطاع الاعمال فيها.
* في ظل التحسن الذي طرأ على مستوى النمو العام الذي يقدره بعض الاقتصاديين في حدود 5% كيف تتصورون اداء ميزانية الدولة للعام المالي القادم، وكيفية تفعيل اداء الموازنة التي يستنزف الباب الاول (بند الرواتب) اكثر من 75% من اجمالي الموازنة العامة للدولة؟
الجانب المهم هو ما اشرت اليه بسؤالك عن نفقات الرواتب وما في حكمها التي تمثل الجزء الاكبر من المصروفات وبالنسبة لهذا الجانب فانه كلما زاد نشاط سعودة الوظائف في القطاع الخاص كلما قل الضغط على الوظائف الحكومية وربما يكون بالامكان ايجاد ارتباط ما بين الاثنين للتشجيع والتسهيل.
* كيف تقيمون تجربة برامج التخصيص، وكيف نتلافى السلبيات والخطأ كما حدث في تخصيص الاتصالات؟
يجب ان نفرق بين مسألتين مختلفتين اولها برنامج التخصيص والاخرى بيع الحكومة لما تملكه من اسهم في شركات قائمة.. عندما نتحدث عن التخصيص فهو يتعلق بالاعمال التي اعتادت الحكومات في اغلب دول العالم القيام بها كجزء من مهام الحكومات والتي اتجه الرأي في العالم خصوصا في السنوات الماضية الى تفضيل التخلي عنها ليقوم بها القطاع الخاص على اسس تجارية وهذه مسألة جار العمل فيها حالياً.
اما المسألة الثانية التي اعتقد انها تختلف عن الاولى فهي بيع ما تملكه الحكومة من اسهم الشركات المساهمة المحلية التي تساهم فيها وهذه مسألة لها تفسير تاريخي حيث ان الحكومة بادرت في فترة سابقة الى الدعوة لانشاء شركات مساهمة جديدة ساهمت في تأسيسها مع المواطنين كما قامت باستثمار مبالغ ضخمة في شركات الكهرباء التي كانت صغيرة في ذلك الوقت لم تستطع الاستجابة للتوسع في الطلب على الطاقة الكهربائية. اما في الوقت الحاضر فقد تغير الوضع لذلك فقد اتجهت الحكومة الى بيع ما تملكه من اسهم في هذه الشركات كلياً أو جزئيا وهذا البيع لا يعتبر (تخصيصا) بالمعنى الاساسي لهذا التعبير لان هذه شركات مساهمة تعمل طبقا لقواعد عمل القطاع الخاص وبالتالي فإن قيام صندوق الاستثمارات العامة التابع للحكومة ببيع الاسهم التي يملكها في هذه الشركات الى المواطنين ما هو الا عملية بيع يمكن ان ينظر اليها ايجابياً لان ذلك يوسع فرص الاستثمار امام المواطنين أو يرى البعض ابقاءها لدى الصندوق كليا او جزئياً باعتباره مؤسسة استثمارية وطنية تقوم بدور اساسي في التنمية الاقتصادية وبالتالي يحسن المحافظة على ما تملكه من اصول مالية تعزز دوره حتى يمكن للصندوق مواصلة القيام بمهامه الذي لا يوجد له بديل. اعتقد ان من الافضل ان ينظر لهذا الموضوع من هذه الزاوية العملية.
اما سؤالك عن كيفية تلافي سلبيات طرح اسهم ما يتم (تخصيصه) من مرافق فهذه مسألة فنية محضة تعتمد على كفاءة المؤسسات المالية التي تتعاقد معها الحكومة على اجرائها فإذا اجادت هذه المؤسسات عملها فإن السلبيات تقل.
* كيف ترون الدور الذي سيقدمه نظام سوق الاوراق المالية، وكيف ترون اسهامه في إعادة هيكلة رأس المال في السوق السعودي على اسس جديدة ومتطورة من شأنها تعزيز الثقة في السوق المحلي وجذب الاستثمار؟
الجزء الاكبر من هدف اقامة سوق الاوراق المالية قامت به مؤسسة النقد فعلاً بعد ان اكملت اقامة ادارة كفؤة واجهزة فنية متطورة لسوق الاسهم المحلية القائمة حاليا اما الخطوة المتعلقة باعطاء السوق شخصية اعتبارية مستقلة عن مؤسسة النقد فانه حصل بإصدار النظام الجديد للسوق.. لذلك اعتقد ان مهمة الجهاز الجديد للسوق اصبحت سهلة نسبيا وما عليه سوى المحافظة على الاسس القوية القائمة حالياً والبناء عليها لتحقيق الاهداف الاضافية الجديدة التي نص عليها النظام لاقامة سوق مكتملة للاوراق المالية مثل تنظيم اصدار السندات والترخيص باقامة صناديق الاستثمار وادراج اسهم الشركات المساهمة الجديدة وتوفير فرص حصول الشركات المساهمة القائمة على موارد مالية اضافية عن طريق اصدار السندات او الاسهم وهو ما اشرت اليه في سؤالك عن إعادة هيكلة رأس المال في السوق السعودية.
* كيف نستطيع التغلب على الظروف التي تشهدها المملكة مؤخرا في جذب الاستثمارات الاجنبية، وما هي السبل الكفيلة باجتذاب هذه الاستثمارات؟
رأيي في الموضوع دائماً ان علينا ان نبدأ من الداخل بدلا من البحث عن الخارج ذلك ان الامكانيات المالية المتوفرة في المملكة تجعل من الضروري البدء من الداخل بتشجيع اعداد ودراسة مشاريع استثمارية جديدة يقوم القطاع الخاص بتبنيها ومن ثم عرضها على شركات اجنبية متخصصة للمساهمة فيها وتقديم التكنولوجيا التي تملكها اذا كان هذا ضرورياً. وبشكل اخر ارى ان يكون عنوان الهدف هو تشجيع الاستثمارات الداخلية الجديدة سواء كانت وطنية بالكامل او بشراكة اجنبية لان الاقتصاد السعودي لا يحتاج للموارد المالية التي تأتي من الخارج لتوفرها في الداخل ولكنه يحتاج للمشاركة الاجنبية للمعرفة والتكنولوجيا.. باختصار من المناسب ان نعكس سياسة البحث عن الشركات الاجنبية من الخارج لتقوم بالاستثمار في الداخل الى البحث وتشجيع المستثمرين السعوديين على دراسة مشاريع جديدة ثم تساعدهم الجهات المختصة على البحث لهم عن شركاء من الخارج اذا كان هذا مطلوباً. ما يحتاجه اقتصادنا في الوقت الحاضر هو المزيد من الاستثمارات الرأسمالية الجديدة بالقدر الذي يواجه زيادة الايدي العاملة والنمو الاقتصادي بشكل عام واعتمدنا على الخارج لاخذ المبادرة والتقدم لاقامة مشروعات لا يحقق التنمية المطلوبة ولا بديل عن الاعتماد على النفس وتحويل المبادرة للداخل.
|