بدأت جهود تحقيق السلام في السودان تؤتي أكلها، فقد جسدت الاتفاقية التي وقعت في مدينة جدة بين الحكومة السودانية التي مَثَّلها الأستاذ علي عثمان طه، والتجمع الوطني الديمقراطي المعارض الذي مَثَّله رئيسه السيد محمد عثمان الميرغني، والزيارة التي قام بها وفد الجيش الشعبي السوداني الى الخرطوم الذي ضم قيادات متقدمة في الحركة الشعبية، جسدتا المناخ الايجابي الذي يدفع جهود السلام في السودان نحو الأمام.
فبالنسبة لاتفاقية جدة، يأتي توقيعها في أعقاب الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في جنوب السودان والتي حصدت مئات الآلاف من السودانيين ودمرت اقتصاده وأشغلته وأهله عشرات السنين من تنفيذ خطط التنمية، فقد التهمت الحرب الأموال المخصصة للتنمية وقسمت البلاد الى قسمين وصل الأمر بينهما إلى حد السعي لقتل أكبر عدد من الطرف الآخر، وتعالت أصوات الانفصال من الجنوب فيما تزايدت دعوات الحرب والتصفية في الشمال، ليأتي التوصل إلى اتفاقية ماشاكوس التي وضعت حداً للحرب والاقتتال ثم تتابعت اللقاءات والمفاوضات التي أفرزت اتفاقاً أرضى الجنوبيين وعالج ظنون الشماليين وتخوفهم من سعي الجنوبيين للانفصال.
وفي أعقاب ما أُنجز من اتفاقيات مع الحركة الشعبية، جرت اتصالات مع المعارضة الشمالية، فبعد توصل الحكومة السودانية قبل أعوام الى اتفاق مع القطب الشمالي المعارض السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وزعيم طائفة الانصار السودانية، لم يبق من المعارضة الشمالية سوى القطب الآخر محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وزعيم طائفة الختمية، وهو يرأس التجمع الوطني المعارض الذي يضم أحزاباً صغيرة وبعض الحركات المسلحة التي شكلها ضباط سابقون أُبعدوا من الجيش أو هربوا بعد انقلاب الانقاذ، وبهذا تكون الحكومة السودانية قد احتوت كل الحركات المعارضة الكبيرة بدءاً من الحركة الشعبية إلى الحركات المسلحة الشمالية، فالأحزاب المهمة كحزب الامة، والاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي، على قاعدة التناوب السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة، وإجراء انتخابات في المستقبل القريب.
هذه التطورات الايجابية التي يشهدها السودان تبشر بعودة السلام إلى هذا البلد الذي عانى أهله عشرات السنين من الحروب والحرمان.
|