البهاق مرض جلدي مزمن أسبابه الحقيقية غير معروفة بالكامل يتميز بظهور بقع جلدية خالية اللون تظهر على شكل بقع بيضاء وتصيب الأشخاص من كافة الأعمار والأجناس بدون تمييز ومع أن البهاق مرض لا يؤثر على النشاط الجسماني للمصابين به من حيث الحركة والقدرة على أداء الأعمال بشكل طبيعي تماما ولكنه قد يكون مدمراً من الناحية النفسية والاجتماعية للأشخاص المصابين به خصوصا ذوي البشرة التي تميل للسمرة بحيث تظهر البقع البهاقية واضحة مقارنة بلون البشرة السمراء.
وفي بعض المجتمعات ينعزل المصابون بالبهاق عن أفراد المجتمع بشكل واضح يميلون إلى الانطواء وعدم الاختلاط ويعانون من صعوبات واضحة في تقبل أفراد المجتمع لهم إضافة إلى أن بعض أفراد المجتمع يظهر نفوراً وخوفاً من الاختلاط بمرضى البهاق علما أن هذا المعرض غير معد بتاتا والمصابون به لا يعانون من أية ظواهر معدية أخرى.
وتبرز معاناة مرضى البهاق بشكل خاص عند رفض بعض العائلات لفكرة الزواج من مريض أو مريضة البهاق لسبب وحيد هو الخوف من انتقال المرض إلى الأجيال المقبلة بشكل وراثي. ومع أن هناك بعض النظريات عن وجود عامل وراثي عائلي يسبب انتقال المرض ولكن ذلك غير واضح تماماً و آلية انتقاله كذلك لا تبرز بنمط محدد.. وفي بعض المجتمعات يعتقد الناس أن البهاق مرض معد ويربطونه بالجذام وهذا غير صحيح.
ويفسر هذا انطواء وانعزال مرضى البهاق مما يؤدي إلى تردي نوعية وجودة الحياة Quality of life لدى المصابين بشكل واضح تؤدي في حالات عديدة إلى اليأس والتراجع ومحاولات التخلص من الحياة.
ويمكن تقسيم البهاق إلى أربعة أنواع اعتماداً على نمط الانتشار الجسدي للبقع البهاقية وطريقة توضعها على الجلد:
1- البهاق المقطعي: ويكون موضعياً ويتبع انتشاره امتداد مسار العصب الذي يغطي مكان الإصابة.
2- البهاق النقطي: ويكون موضعياً أيضاً ولكن انتشاره لا يكون مرتبطا بامتداد مسار أعصاب معينة.
3- البهاق المنتشر: ويتميز بوجود البقع البهاقية في أمكنة مختلفة من الجسم وفي كثير من الأحيان تكون متقابلة بمعنى أن الجزء الأيمن والأيسر من الجسم مصاب بشكل متطابق.
4- البهاق الطرفي: وتظهر البقع البهاقية في هذا النوع على أطراف الأصابع في اليدين والرجلين والشفتين.
ومع أن مرض البهاق من الأمراض المعروفة من مئات السنين ومع تطور العلم الحديث إلى معرفة الكثير عن هذا المرض فإن امكانيات علاجه ما زالت محدودة ولم تصل بعد إلى حدود الشفاء الكامل والتخلص النهائي من هذا المرض وتتركز المعالجات المعروفة لغاية الآن على العلاج الضوئي لمحاولة إعادة التصبغ إلى البقع البهاقية عن طريق الأشعة الضوئية فوق البنفسجية من فئة A أو B أو بدون أدوية فموية وخارجية ولكن هذه الطريقة طويلة ومكلفة ولها بعض المضاعفات ما يجعل الكثير من المرضى يتجنبونها خصوصا أن نسبة نجاحها بشكل كامل غير مرتفعة وتحتاج إلى استمرارية لفترات تمتد إلى أشهر عديدة قبل ظهور النتائج وإلى الالتزام المستمر للحفاظ على هذه النتائج.
ويعتقد الأطباء بوجود عامل مناعي مرتبط بظهور البقع البهاقية بحيث يتعامل الجهاز المناعي للجسم مع الخلايا الصباغية في الجلد على أنها خلايا غريبة ويقوم بتدميرها ما يؤدي إلى اختفاء الصباغة الجلدية وفقدان اللون ومن ثم ظهور البقع البهاقية ولهذا السبب يقوم الأطباء في كثير من الأحيان باستخدام مركبات الكورتيزون الموضعية أو الجهازية لمحاولة وقف هذه العملية وفي هذه الحالات يصبح من الضروري متابعة المريض بدقة لتحديد الجرعات المناسبة وتجنب المضاعفات الناتجة عن استخدام الكورتيزون. ولهذا العلاج حسنات عديدة في وقف المرض وإعادة التصبغ لدى العديد من المرضى.
ولم يقف الأطباء عند هذا الحد من العلاج فقد ظهرت آليات حديثة للتحكم بالأشعة الضوئية وتركيزها بواسطة الليزر على بقع صغيرة من الجلد لمنع إصابة البقع السليمة المجاورة ثم بدأ الأطباء منذ عشرات السنين بمحاولات جراحية لنقل الخلايا الصبغية من أمكنة سليمة في الجسم إلى المناطق المصابة بالبهاق وظهرت عدة طرق لنقل هذه الخلايا منها نقل الخلايا بواسطة الفقاعات الجلدية وكذلك باستخدام الخزعات الجلدية الدقيقة وبقيت هذه المحاولات محدودة النتائج لعدم قدرتها على تغطية مساحات واسعة من البقع البهاقية واقتصارها على أمكنة صغيرة ومحدودة إضافة إلى اختلاف في اللون المكتسب بعد الجراحة والفروق الواضحة في المظهر مما أفقد هذه الوسائل الجراحية الجاذبية لدى المرضى وأدى إلى اضمحلالها مع الوقت.
وخلال العقدين الأخيرين ظهرت محاولات جراحية جديدة وفاعلة وغير تقليدية لنقل الخلايا الصبغية بواسطة الزرع أدت إلى تطورات جذرية وواعدة في مجال علاج البهاق.
فقد بدأت هذه المحاولات مع طبيب أمريكي اسمه ليرنر عام 1987م تبعه أطباء آخرون قاموا بتطوير طريقته منهم غوثيير وأولسون وجولين واستطاعوا استخراج الخلايا الصبغية وتكاثرها في المختبر ومن ثم زرعها مكان البقع البهاقية ولكن مشكلة هذه الطريقة أنها مركبة من خطوتين تشتمل الأولى على استخراج الخلايا من الجلد السليم وتكاثرها في المختبر لأكثر من أسبوع ومن ثم زراعتها في البقع البهاقية وهناك مشكلة أخرى أنها تحتاج إلى مختبرات ومهارات مخبرية متقدمة ومكلفة إضافة إلى امكانية تلوث الخلايا في المختبر أو تشوهها خلال عملية التكاثر.
وللتغلب على هذه الإشكالات قام الدكتوران أولسون وجولين بتطوير طريقة جديدة لا تشتمل على تكاثر الخلايا الصبغية المستخرجة داخل المختبر بل تكاثرها ذاتياً على مناطق البهاق التي يتم زرعها فيها ومن فوائد هذه العملية أنها خطوة واحدة تجرى خلال ساعة أو أكثر قليلا كما أنها يمكن أن تغطي مساحة واسعة من الجلد تعادل 10 مرات المساحة المانحة ونتائجها التجميلية ممتازة إضافة إلى أن إعادة التصبغ تبدأ خلال أسابيع قليلة ولا تحتاج إلى مختبرات متقدمة ومكلفة ولا يحتاج المريض للانتظار أسابيع للحصول على الخلايا الصبغية من المختبر كما يتمتع المريض بحرية الحركة بعد العملية مباشرة.
ثم قام طبيب اسمه الدكتور موليكر والذي تدرب على هذه العملية في جامعة اوبسالا في السويد عام 1995م والذي كرس نفسه منذ ذلك الوقت للعمل على علاج البهاق وإجراء أكثر من 1000 عملية نقل الخلايا الصبغية الذاتية بتطوير هذه العملية وتحقيق فصل الخلايا الصبغية بطريقة دقيقة تشمل الاستفادة الكاملة منها لتغطية مساحات أوسع من بقع البهاق.
وقد حقق الدكتور موليكر شهرة عالمية واسعة كونه الطبيب الذي قام بأكبر عدد من هذه العمليات حيث نشرت أبحاثه في هذا المجال في أكثر من مجلة علمية محكمة ومؤتمر طبي حول العالم. وقد التحق الدكتور موليكر بعيادات لايت «المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية» مؤخراً للعمل على علاج مرضى البهاق وإجراء هذه الجراحة.
وفي بداية هذا اللقاء مع الدكتور موليكر نسأله عن الأشخاص الذين يمكن لهم الإفادة من هذه العملية يقول:
هذه العملية تصلح للعديد من مرضى البهاق:
أ- مرضى البهاق المقطعي: ويمكن لهؤلاء الأشخاص توقع نتائج ممتازة جداً ومستمرة بإذن الله ونسبة الفشل ضئيلة جدا وذلك لأن البهاق المقطعي يميل إلى الثبات وعدم الانتشار مما يساعد على ثبات المناطق المزروعة بنسبة تزيد عن 90%.
ب - مرضى البهاق النقطي كذلك يمكنهم توقع نسبة نجاح ممتازة بإذن الله تتجاوز 80%.
ج - بالنسبة لمرضى البهاق المنتشر في أنحاء الجسم إذا كان ثابتاً فإن نسبة النجاح ممتازة في ثلثي الحالات ولكن قد يحتاجون لأكثر من عملية لتغطية المساحات الواسعة وهناك دائماً امكانية لظهور بقع بهاقية جديدة في المستقبل لدى هؤلاء الأشخاص.
هـ - نسبة نجاح عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية للمصابين بالبهاق الطرفي منخفضة جدا ولكنها الوسيلة الوحيدة التي يمكنها إعادة التصبغ ولو جزئياً لهؤلاء المرضى.
وهناك دائماً امكانية دعم نتائج عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية بالأدوية والأشعة الضوئية لزيادة نسبة نجاحها.
وبسؤال الدكتور موليكر عن امكانية نجاح عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية حتى بعد فشل العلاج بالوسائل التقليدية الأخرى يقول:
نعم إذا كانت البقع البهاقية ثابتة وخصوصا في البهاق المقطعي أو النقطي تعتبر العملية هي الطريقة الوحيدة في هذه الحالات.
وهل البهاق مرض معدٍ وهل هناك علاقة للأكل بظهور البهاق؟
د. موليكر: لا دليل علمياً للآن عن علاقة الطعام خصوصا ذات اللون الأبيض كالحليب وما شابهه مع ظهور البهاق ويعتقد بعض الناس بوجود علاقة مع فيتامين C وهذا غير صحيح أيضاً كما أن البهاق ليس بالضرورة أن ينتقل بالوراثة مع أن هناك عاملا وراثيا عائليا ذا نمط غير معروف له علاقة بظهور البهاق يجري حالياً بحوث ودراسات عدة حول العالم لاكتشافها.
بصراحة د. موليكر هل يمكن الشفاء نهائياً من مرض البهاق؟
نعم كما ذكرنا سابقاً بعض أنواع البهاق مثل البهاق المقطعي والنقطي يمكن شفاؤها نهائياً بإذن الله بعد عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية.
وهل يمكن إجراء العملية لأي جزء من الجسم؟
نعم وتختلف نسبة النجاح بالنسبة للبهاق الطرفي بحيث تكون منخفضة.
كم من الوقت تستغرق عملية زرع الخلايا الصبغية الذاتية وهل هي مؤلمة؟
تستغرق العملية في العادة حوالي الساعة والنصف وقد تزيد حسب المساحة البهاقية المراد تغطيتها وفي العادة يعطى تخدير موضعي في المنطقة المانحة والمنطقة البهاقية المراد تغطيتها وقد تكون مناطق الأطراف والكاحل مؤلمة بعض الشيء وتجرى العملية في أكثر من 90% من الحالات تحت التخدير الموضعي فيما عدا حالات من الأطفال الصغار التي تجرى تحت التخدير العام.
|