أتيح لي قراءة الفصل الذي كتبه الدكتور عز الدين اسماعيل عن الخلاف بين المحقق الأستاذ محمود محمد شاكر، والدكتور طه حسين، وهذا الفصل من كتاب جديد للدكتور عز الدين، عنوانه: «آفاق معرفية - في النقد والشعر والأدب».. وسبق لي ان وقفت على أطراف من الهجمة العنيفة التي شنها الأستاذ شاكر على الدكتور طه حسين، حين أصدر الثاني كتابه: «مع المتنبي»، وكان شاكر قد سبقه في اصدار كتابه عن الشاعر شاغل الناس، الذي صدر في عدد خاص من مجلة «المقتطف» قبل عقود، وهو دراسة مركزة جيدة.. غير أن المؤلف حين جنح الى توسيع تلك الدراسة وصدرت في مجلدين، اعتورها التكرار والحشو الذي لا جدوى منه، حتى كاد يفسد قيمة الكتاب يوم صدر في عدد خاص من المقتطف.
* قرأت عن ذلك الخلاف بين المحقق محمود شاكر وطه حسين.. وكنت فرحا حين رأيت ذلك الفصل في كتاب المؤلف - آفاق معرفية -، لأني شغوف الى الوقوف على رأي محايد يقول كلمة فصل في هذه القضية، ذلك أن أنصار الشيخ شاكر يؤيدون صاحبهم، رغم انه كان أحد طلبة الدكتور طه في كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول يومئذ.
* غير أني لم أجد ما كنت أتوقع، فلم أجد رأيا قاطعاً للدكتور عز الدين، يحسم قضية ما شجر بين الرجلين، وعلى الأقل يدرك القارىء الحقيقة من رجل ناقد بصير وكبير معاصر لطه وشاكر، كالدكتور اسماعيل.. ورأيت ان ما قدمه ناقدنا الكبير في الاستعراض الذي حوى فصلا من كتابه، بلغت صفحاته «28»، ورأيت لمحات غير شافية، وغير كافية.. وكنت أتوقع أن اقف على اكثر واعمق مما رأيت في حديث الدكتور عز الدين، ذلك انه يكتب بعد نضوج وطول خبرة وممارسة في الأدب والنقد.. والدكتور عز الدين يدرك ان اللمحات لا تغني ولا تكفي. وأنا حين رأيت هذا الفصل من كتابه، كنت أنتظر ان اجد ما يبل الصدى، في اتهام الاستاذ شاكر للدكتور طه، بأنه سرق افكاره.. غير أن الدكتور عز الدين لم يقدم الى قارئه المثقف ما يجزي ويغني، ولكنه علق بآخر الفصل بقوله : «غير ان التفصيل في هذا يتطلب منا حديثا آخر»، وأتساءل: متى يأتي هذا الحديث الآخر؟
* أشرت آنفا الى اني كنت أتوقع ان اقرأ مما كتب الدكتور اسماعيل في هذا الفصل دراسة أكثر جدوى، ومقارنة بين دراسة الأستاذ محمود شاكر وطه حسين للمتنبي، ولكن الدكتور عز لم يجهد نفسه، وإنما قدم ما قدم في فصل احتوى تلك الصفحات غير القليلة، وعلق القارىء في الوقوف على التفصيل الى اجل غير مسمى.
* إذاً هذه دراسة عابرة لا تروي ظمآن، ولا تبل حلق صاد، ولن اقول، واكبر الظن انه لن يقول غيري ان الحديث عن المتنبي شاغل الناس انتهى، او انه سينتهي يوما ما.. وفي ظني انه سيبقى ما بقي للعربية نبض وللشعر الاصيل قيمة.. والقضية التي دخل من خلالها الدكتور عز الدين، هو ما أثاره الباحث الاستاذ محمود شاكر رحمه الله، وان طه حسين سرق منه فيما كتب عن المتنبي.
* غير ان ادعاء الشيخ شاكر ليس له دليل.. والذين عرفوا طه حسين ودرسه العميق في الادب والنقد، لا يحفل بادعاء المحقق شاكر، لأن من يؤلف اكثر من اربعين كتابا متميزة لا يتهم بالسطو، وهو ما أنجز طه حسين، ويكفي ان نقف ونتأمل: حديث الاربعاء، وما حوى من درس عميق، ذلك في اجزائه الثلاثة ذلك الشعر الجاهلي والاسلامي، وقدمه سائغا الى القارىء المعاصر، بسبل محببة مغرية، وما كتب طه في حديث الشعر والنثر، وما حوى كتابه في «الشعر الجاهلي» من آراء صائبة عميقة، نادرة من نوادر الدراسات الدقيقة في مجاله، وأنا أقول هذا، واحسب على الاستاذ العميد سقطته، فيما انزلق فيه لسانه، عن خليل الله ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، ذلك التشكيك وامثاله يحسب على الكاتب، لان كتاب الله لا مجال فيه عند المؤمنين للتشكيك والتعريض.. ولطه حسين كتب قيمة، ما زالت تلقى عناية القراء والدارسين، وهي التي صيغت بلغة رائعة جذابة واسلوب مغر، يقبل عليه عشاق الادب والبيان العربي المبين.
|