اختص الله بني البشر من بين أنواع الحيوان بنعمة المنطق ووسيلة المفاهمة وهي الكلام على اختلاف نوعيته بين الأمم وهذا الجسر الكلامي القائم بين الأذهان وحبل الاتصال الروحي الشاد بعضنا البعض لو أردنا حصراً لما انطوت عليه حكمة خلقه من فوائد لاستحال شمولنا بمنافع تلك الخليقة فخزائن أرواح ذوي العقول وطبقات أفكارهم من الطبيعي أن تزخر بالمعاني المغمورة واحساساتهم أن تختلج فيها التفاعلات الداخلية وخواطرهم أن تتصارع على بساطها متناقضات الشعور ولابد لكل هذا من مترجم مجيد يصور ما ينتج عن ذلك من ردود فعل وما يقتضي طلبه الصراع وما يجب اتخاذه حيال النتائج ولنعرف ان هذا المترجم على اختلاف فعاليته هو الكلام الذي منَّ الله به علينا والمعبر عما تختزنه العقول ويتنوع هذا الكلام من حيث الجودة والاتقان والتنسيق وعدمه فهناك الجميل الممتع الزاخر بالمعاني القيمة والذي فرش طريقه وضوحاً واجتلاباً لعقول الغير وهذا هو الذي يجد الطريق ممهدة لمعانقة أسماع المخاطبين وتفهمهم له وهو الذي يكون بمثابة المخرج الناجح والموزع لمؤلفات العقول والزاج بها إلى مسرح الظهور بصورة مفهومة، وتبقى على احيائه في ذاكرتهم. ويأتي على النقيض من ذلك من لا يمتلك الكلام الجيد ويجد أبواب مفاهيم الآخرين موصودة أمامه لأن أفكاره تكمن وراء ستار العجز عن الاخراج الكلامي المتناسب وأحوال السامعين أو يكون الاخراج على طريقة مضطربة وغير متمشية وجميع المفاهيم وربما تحطمت الملكات على جدار العجز الاخراجي الجيد واندفنت المعاني تحت اغطية عدم التنسيق الكلامي، لذا فان الكلام هو المقياس الاول على ما تحضنه العقول.
|