* س: - تعلمون ما قد يمر على الإنسان في هذا العصر من حالات نفسية وضغوط متفرقة نعرف سببها إذا أدركنا واقعنا جيدا ولا نعرف لبعضها أسباباً لكنها حاصلة.
كيف ترون مواجهة الحياة من إنسان لا يدري هل هو طائش؟ أو هل هو متأن؟ وسط دنيا المصالح وكن معي أنفعك بجانب هالات كثيرة تؤشر إلى تنوع
الشر بلباس الخير والمودة.
شيخنا/ هل من إجابة؟
د/ أحمد مصطفى جمال اللبدي
زميل الجمعية البريطانية / طبيب نفسي
* ج: - لديَّ يقين يقرب من الثقة انك يا اخ احمد تدرك الجواب لكنك أردت، أو هكذا خيِّل إليّ، أردت تحمل الإجابة عنك بما تسقطه عن كاهلك على/ صالح اللحيدان/ لكن حسب علمي وفهمي سوف اجيب على السؤال مُحتفياً أيما احتفاء شادا عليه بالبراجم أيما شد وقبل ذلك هناك ثلاثة كتب ذائعة الصيت ذات ذائقة علمية رفيعة وهي أصل في طرد الهم والغم، «وفق واقع» الحياة تدركه من خلالها بما تزخر به من علم وروايات وحكم وتجارب وتقلبات هذه.
الكتب هي:
الشمائل المحمدية للترمذي
الطب النبوي لابن قيم الجوزية
سير أعلام النبلاء للذهبي
أما الجواب فلعله ما كتب في:
الموسوعة النفسية ج 2 من ص96 حتى ص100 وإليك ذلك:
«إليك صفات الرجل الهادئ مفصلة واضحة يمكنك ان تجعلها قاعدة تنطلق منها للتأملات والتمثلات الذهنيّة التي تولعك بالهدوء:
1 أعصاب الهادئ وعضلاته مرنة شديدة، وهي تحتفظ دوما بتوازن عادي، ودرجة معتدلة من الراحة والاسترخاء، وذلك ممّا يسهل عليها أداء وظائفها الطبيعيّة في داخل الكيان الجسمي.
2 الهادئ يفكر باستقامة، نحو هدف تلتقي عنده جميع الأفكار الفرعية. ويظل انتباهه منصبّاً على ما ينفذ من قرارات، ولا يبذر طاقته الفكرية سدى.
3 استقامة الهادئ تبدو في عاداته، وتتمثل في مسلكه اليومي، فهو يبدأ عمله في ساعة موقوتة، ويسير فيه دون إسراع، ويشتغل بما يعود بالنفع عليه وعلى غيره، وينال أقصى ما يستطيع من إنتاج بأقل ما يمكن من التعب.
4 الهادئ يفيد من أيّام راحته وساعات فراغه، لأنّه يعيش متملياً من حاضره، ولا يرهق نفسه بأحزان الماضي، ولا بمخاوف المستقبل.
5 الهادئ يمتنع بطبيعته عن إظهار تبرمه في حضور الآخرين، كما يمتنع عن إبراز انهماكه بهم، وهو يصغي لما يلقى إليه دون أن يبالغ في التعجب أو التواضع أو الامتنان أو أي رد فعل داخلي.
6 الهادي يسيطر على ما قد يشعر به من فراغ صبر، أو غضب، أو حدة، ويحتفظ، في جميع محادثاته، باعتدال موزون كي يتمكن من التأثير في رؤسائه وزملائه والخاضعين له.
7 الهادئ يتكلم بدقة ووضوح وإيجاز، وليس لكلامه تدفق العَجول الذي يريد التخلّص من عبء يرهقه، ولذا، يفهم كلامه كل من يسمعه.
8 حضور الهادئ يشيع الطمأنينة في نفوس الحاضرين، ويجعلهم يشعرون معه بأنس، وإقبال على الحياة.
9 لا يتقبل الهادئ شيئاً ممّا يعرض عليه من أفكار وآراء، إلا ويحيل النظر فيه، ويثبت من صحة ما يوحى إليه، كائناً من كان الموحي. ولا يوفق أحد إلى فرض اقتناع عليه أو انتزاع قرار منه، فهو في يقظة دائمة تتيح له تدبر الآراء، وتأمل العواقب.
10 المفاجآت، والمعاكسات، وخيبة الأمل، والصدمات وما إليها من أحداث لا تفصل عن الحياة، أشياء لا تزعزع كيانه، ولا تضعضع توازنه. فهو يبتعد عن منابع الضجة والصخب، دون ان ينفق طاقاته في النواح والعويل والارتباك والشكوى، ويتخذ بكل برود، التدابير الضرورية لمقاومة المفاجآت، وتحوير الأحداث ونزع ما فيها من أذى، وينصرف إلى ما تبقى له من وسائل العمل والإنتاج.
11 إذا حدث للهادئ خطب رهيب يشل جهود أعوام، أو يقضي على آمال جسام، لا يذهب به الحزن في مجاهل لا رجعة له منها، ولا يوغل به العذاب في عتمة التشاؤم الخاذل المخذل، وإنّما يحتفظ بثقة في نفسه، ويستجمع قواه لتلافي النتائج السيئة، وبناء مستقبل يرضى عنه.
12 الهادئ يتألّم موضوعياً لا ذاتياً، بمعنى انه لا يعطف على نفسه في الملمات الكبار، ولا يحنق من أجلها، وإنما يعيد النظر دوماً في الماضي، بكل روية وأناة، إلى ان يستعيد قوته رويدا رويدا، وتشتد معنوياته، فيستأنف خوض معركة الحياة وهو مسلّح بالعبر الماضية، والمواقف السابقة، حتى إذا واجه معارك جديدة، قال في نفسه: «لقد عرفت غيرها من قبل!».
كراهية الاضطراب
المعروف عن سلوك النفس في داخلها انها إذا كرهت أمراً، كراهية عميقة، وشعرت تجاهه بمقت بعيد الغور، توفق إلى تحقيق نقيضه، ومحبة مضاده، ولذا، يصبح من الوسائل الناجعة في توجيه المرء أو المرأة نحو الهدوء، ان نرسم للراغبين فيه، صورة «المضطرب»، وبشاعتها وحدها كفيلة بجعل رائيها «هادئاً». وهذه هي مظاهر الاضطراب:
1 يعيش المضطرب في حالة توتر عصبي عضلي دائمة، كما أن توتره الأخلاقي مستمر لا ينقطع. وهذا الأخير يتمثل في اعتلالات صحية من اختلال في نبضات القلب، إلى عسر في الهضم، إلى تعطيل جزئي في انتظام التنفس، وفقدان التسلسل أخيراً في الأفكار.
2 المضطرب يفكر عفويّا، بشكل متقطع، متناثر. فهو لذلك، يضطر إلى بذل جهد شاق كلما أراد ان يستجمع انتباهه ويركزه في موضوع معين، لا سيما إذا كان الموضوع تجريديا، يحتاج إلى تمثلات ذهنية لا سند لها في العالم الخارجي المادي.
3 قلّ ان يجد المضطرب صحوه النفسي التام، ويقظته الفكرية عندما يستفيق من نومه، فهو لا ينهض إلا تحت ضغط واجباته الملحة! وهو بالرغم من تشدده المادي، واجتهاده الحثيث في الاستقرار والاستقامة، يجد ان سهوه كثير، ونسيانه أكثر، ويرى ان عمله يسير ببطء، فيحاول ان يعوّض عمّا فات بحماسة تكلفه تعباً شديداً، لا يلبث ان يلمس صداه في بنائه الصحي العام.
4 المضطرب مرهق دوما، فهو لا يشعر بالراحة والعافية إلا نادراً، وانتباهه يترنّح غالباً بين اجترار الساعات الماضية، وتوقع ما يجري في الساعات المقبلة.
5 المضطرب «انفعالي النزعة»، يأخذ لون الجو الذي يغمره، فإمّا أن يكون فرحاً مسروراً دون اعتدال، وإمّا منهمكاً، جافّاً، ممتعضاً دون سبب، ولا يملك بين هذين أن يغير جوّاً أو يخلق حالة جديدة.
6 المضطرب قلق، فارغ الصبر، سريع الغضب، حاد المزاج، يقول في هذه الساعة ما يعتذر عنه بعد ساعة، وينفي الآن ما يؤكده غداً، ويتصرف اليوم تصرف الملائكة، وتراه بعد يوم شيطاناً..
7 ينزع المضطرب إلى ضرب من البيان المتقطع العجول، وذلك ناشئ عن رغبته في ان يفهمه الناس بأسرع مما يفصح، ونادراً ما يفهمونه فيحس بذلك، ويزداد ارتباكه.
8 إذا حضر المضطرب مجلساً ما، أوحى حضوره إلى غيره شعوراً بالانقباض الذي يخامره، حتى وإن ظلّ صامتاً، جامداً، لا يبدئ ولا يعيد.
ذلك بأن اشعاع النفسية المصطخبة يولد تيارا مماثلا عن الآخرين.
فالسكوت والجمود لا يعنيان الهدوء ولا يدلان عليه، بل هما أبعد ما ينبئان عنه، فهناك ولا شك حركات طفيفة، متقطعة، وإشارات خفية، وعلامات بارزة، لا تنقطع بانقطاع الكلام، ولا تهدأ بهدوء البدن، فإذا ترك صاحبها المجلس، شعر من فيه بالراحة والانشراح!.
9 يختل التوازن النفسي عند المضطرب، عادة، لدى أقلّ معارضة، ويكفي ان يخيب أمله مهما كان ضئيلا في أمر بسيط كان يتوقع حدوثه، ليذهب به اليأس كلّ مذهب، ويطير به الخيال إلى ما لا صلة له بالواقع ولا بالحياة ولا بالمجتمع.
10 إذا أصيب المضطرب بكارثة حقيقيّة، يفقد القليل ممّا عنده من برودة الدم، ويرد على المصيبة فوراً دون تأمّل أو استيضاح، ويضيع صفاء ذهنه، ويزيد الحالة خطورة، والموقف تعقّداً أكثر ممّا يخفف من سوء نتائجه.
11 رغم ان المضطرب يميل بطبيعته إلى النقد المنهجي، ويعترض على أكثر ما يرد من أفكار، تراه ينساق دون احتياط مع كلّ عرض هادئ من شأنه أن يطامن، بمعنى من المعاني، اضطراب نفسه، ويدغدغ رغبته الدفينة في التهرّب من أفكاره، فالكلمة الناعمة، والخطاب الرقيق، والبيان الفصيح، وما أشبه ذلك ورادفه يحد من معارضته حتى وإن كان فيها على صواب ويشلّ حماسته، ويقضي على منابع النشاط في ذهنه فيعطي رضاه دون تفكير، ويقرر تقريرات لا يلبث ان يندم عليها فيما بعد، أي عندما يعيد نظره فيها بهدوء وبرود.
12 ليس بين المضطربين من يمكن ان يكون ذا شخصية ساحرة، أي موهوباً في التأثير والنفوذ، وإن كان فيهم أصحاب كفاءات وقيم رفيعة، فالمضطرب مهما علا منصبه، وتعدّدت مواهبه، لا يحظى بما يستحق ولا ينال التقدير اللازم، لأنه لا يخلق بطبيعة اضطرابه، مناخا منسجما، ولا يفكر في وزن كلماته، ولا في الاحتفاظ بمزاج معتدل، سواء في حياته العامة أو في حياته المنزليّة.
|