سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قرأت اللقاء الشامل مع معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبد الرحمن بالغنيم في العدد «11366» وقد تحدث فيه عن ايقاف مشاريع الشعير الجديدة.. وعن التوازن بين الامن المائي والغذائي .. ومعاليه صاحب نظرة ثاقبة.. وللأعلاف علاقة وثيقة بالثروة الحيوانية.
ان «الاعلاف» تعتبر رافدا مهما من روافد الامن الغذائي.. ولكن كيف يكون ذلك.. ان ذلك يأتي من كونها ذات ارتباط بالثروة الحيوانية التي هي مصدر مهم من مصادر الامن الغذائي «اللحوم» التي تستهلك من قبل السكان في المملكة، وقد كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن نية وزارة الزراعة ايقاف زراعة الاعلاف.. وهذه النية لها ما يبررها وهو الخوف على مخزون المياه الجوفية «غير المتجددة» من النفاد نتيجة للاستهلاك الجائر لهذه المياه، ولكن قبل اتخاذ اي قرار لابد من دراسة آثاره السلبية على اي قطاع دراسة متأنية وايجاد الحلول المناسبة والبدائل الممكنة لمنع زراعة الاعلاف.. او تقنين زراعتها فالمطلوب هو منع وتصدير الاعلاف وليس منع زراعتها.. لأن تصدير الاعلاف واتخاذها كسلعة هو السبب في التأثير على مخزون المياه الجوفية وليس السبب هو زراعة الاعلاف.. ولكن هناك عدد من المحاور التي يمكن تناول هذا الموضوع «اقتصاديا» وبتطبيق مفهوم الاقتصاد الشامل على مثل هذا الموضوع يمكن تناول المحاور الآتية:
أولاً: لم تنشأ وزارة «المياه» الا قبل شهرين وهي المنوط بها دراسة «مخزون المياه الجوفية غير المتجددة». وهي المعول على تقريرها عن مخزون المياه الجوفية وقد قال معالي وزير المياه الدكتور غازي القصيبي «انه شخصيا لا يستطيع ان يفتي حاليا في شأن المياه ولن يكون ذلك ممكنا قبل عامين على الاقل حتى تكتمل الدراسة الحديثة لوضع المياه ومن ثم انهاء الخطة الوطنية او الاستراتيجية للمياه في السعودية».
ولكن كيف بدأنا نسمع عن قرار منع زراعة الاعلاف قبل الوصول الى قاعدة صلبة من الارقام والى معلومات حقيقية عن مخزون المياه غير المتجددة في بلادنا؟
فحين نسمع عن بعض الآراء نظن اننا سنصبح وقد غارت مياهنا.. واننا سنهلك من العطش في صحراء مهلكة .. ولن نجد اي قطرة ماء.. ثم نفاجأ بآراء اخرى لبعض الجيولوجيين الذي يقولون ان كثبان الرمال في «السعودية» ومنها الربع الخالي تسبح تحتها بحار متلاطمة من المياه..!! اننا بالفعل في معلومات متناقضة ما بين آراء متفائلة الى آخر حد وآراء متشائمة الى آخر حد، ولم نجد رأيا في الوسط.. مما يدل على اننا نعيش على معلومات غير صحيحة.. بعض الآراء تقول ان مخزون المياه الجوفية «غير المتجددة» يبلغ 500 مليار متر مكعب وان السحب السنوي من هذا المخزون يبلغ 20 مليار متر مكعب فمعنى ذلك اننا سنصبح دولة بدون مياه وسنهلك من العطش بعد حوالي 20 عاما.. وستصبح مزارعنا جافة وبئر معطلة.. وقشا تذروه الرياح.. وتتحول مزارعنا الى صحار ينعق فيها اليوم وتصفر فيها الرياح..
فماذا لو طبق قرار منع زراعة الاعلاف.. واتضح بعد الدراسات التي ستجريها وزارة المياه اننا بالفعل نعيش وتحتنا بحر من المياه المتلاطمة.. ولماذا لا يكون هناك تحديد للمناطق التي بالفعل تعيش فوق بحار من المياه والمناطق المهددة بالنضوب اي ان يكون هناك تفريق بين هذه المناطق .. فاذا كان الربع الخالي ذا مياه وفيرة مثلا فتكثف فيه زراعة الاعلاف وتمنع الزراعة في المناطق الاخرى وتستغل مياهها في زراعة المواد والمحاصيل ذات العلاقة بالامن الغذائي كالخضروات والفواكه والتمور.. ان قرار الايقاف يجب دراسته بعناية وان لا يصدر مثل هذا القرار قبل الانتهاء من دراسات وزارة المياه فعند تصفية المزارعين لمزارعهم ومعداتهم وبيعها فمن الصعب العودة الى تأسيسها مرة ثانية وبرأسمال آخر بعد ان يكونوا قد اتجهوا الى مجالات اخرى.
وبعد ان تكون النشاطات الاقتصادية ذات العلاقة بالاعلاف قد خربت وخسرت كمشاريع تربية المواشي ومحلات بيع المعدات الزراعية كالحصادات واللبانات الى غير ذلك من النشاطات الاقتصادية.
ثانياً: عند تطبيق قرار منع زراعة الاعلاف هناك خياران امام مربي الماشية:
أ - الامتناع عن تربية الماشية والاتجاه الى بدائل أخرى.. وفي هذا اضرار بالامن الغذائي من اللحوم.. لحوم الأغنام والابل.. وكذلك مشاريع الالبان.. فمشاريع انتاج اللحوم ذات صلة وثيقة بمشاريع الاعلاف.
ب - استيراد الاعلاف من الخارج: وهنا نقطة مهمة جدا لابد من دراستها وهي سعر الوحدة من الاعلاف النهائي او بعد وصولها للمستهلك النهائي في بلادنا وهو مربي الماشية وفي اعتقادي ان السعر سيكون باهظا نتيجة زيادة سعرها بما هو في بلدانها بسبب تكاليف النقل حيث ان الاعلاف ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم.. فاذا كانت في شاحنة.. فان ما يغذي قطيعا صغيرا من الاغنام او الابل ليوم او يومين يحتاج الى شاحنة كبيرة تنقله لمدة 5 او 8 ايام داخل بلد الاستيراد ومدة ربما تقرب من 10 ايام في باخرة في البحر و5 ايام في بلد التصدير اي ان ظروف التحميل والتنزيل تحتاج الى تكاليف باهظة.. وهذا سيزيد لاشك من اسعار الاعلاف زيادة كبيرة.. وهذا بدوره سيزيد من اسعار اللحوم والضحية في القائمة الاخيرة هو المستهلك النهائي اللحوم.
ولعل الكثيرين يتذكرون انه خلال سنوات القحط والجدب يلاحظ ارتفاع اسعار الاعلاف المستوردة «الشعير» .. وتكاليفها الباهظة.. هذا مع وجود اعلاف في متناول اليد «الاعلاف الوطنية»، ولكن السبب الرئيسي في استنزاف المياه ليس هو الاعلاف «البرسيم وغيره» حيث ان الاعلاف ليست بحاجة الى مياه يومية مثل «القمح» فمن الممكن سقي البرسيم مرة واحدة كل اسبوع بينما القمح يحتاج الى سقي شبه يومي.. والممكن ترشيد استهلاك المياه في زراعة الاعلاف.. واصدار نشرات عن كيفية سقي كل نوع من الاعلاف وكمية المياه التي يحتاجها «كل نبات له استهلاك معين ومحدد من المياه بكمية سم/يوم».
ثالثاً: ان الحاجة للاعلاف في الغالب هي سنوات الجدب وخلال فصل الصيف فقطعان المواشي والابل تسرح وتمرح في الصحاري التي تزدان في فصل الربيع بمختلف انواع الاعشاف وبمساحات كبيرة.. ولا ادل على ذلك من قطعان الابل والمواشي التي تعتبر موردا اقتصاديا مهما لاهالي البادية.. ومن الصعب الاضرار بهذا المورد حيث انهم لا يحتاجون الى الاعلاف الا في فصل الصيف حين تجدب الصحراء.. واعشاب الصحراء والربيع تعتبر داعما للاقتصاد من خلال استفادة هذه القطعان منها اما الحاجة الى الاعلاف فهي خلال فترة قصيرة من السنة.
ان المطلوب هو ان تكون الاعلاف وسيلة للامن الغذائي وليست غاية للربح والمتاجرة.
رابعاً: هناك آثار غير مباشرة على الثروة الحيوانية والزراعية يمكن ان تنجم عن اي قرار غير مدروس بمنع زراعة الاعلاف منها:
أ - كثير من المزارعين يزرعون الاعلاف في الشتاء ويستثمرون العائد من زراعة الاعلاف في زراعة الخضار والفواكه وانتاج التمور في الصيف.. وبالتالي فانهما موردان مترابطان ومحصولان مختلفان وكل منهما يدعم الآخر.. وفي حالة انقطاع احد الموردين فسيتأثر المورد الآخر وهو في هذه الحالة قطاع الخضار والتمور التي هي مورد اساسي للامن الغذائي.
ب - في حالة ارتفاع اسعار الاعلاف ترتفع تبعا لذلك اسعار اللحوم وخصوصا لحوم الاغنام والابل التي تعتمد بشكل اساسي على الاعلاف وسيدفع ثمن ذلك المستهلك او يتجه الى لحوم الدواجن التي هي مصدر غير صحي للغذاء نتيجة تغذية الدواجن على الهرمونات والمضادات الحيوية.
ج - في حالة استيراد اللحوم للاستهلاك المحلي فسيكون ذلك مدعاة لانتقال الامراض الطارئة في لحوم الحيوانات المستوردة «الحمى المالطية - جنون البقر - حمى الوادي المتصدع».
واخيرا ان قرار منع زراعة الاعلاف يهدف الى الحفاظ على المياه الجوفية للاجيال.. ولكن ذلك لا يمنع التأني في اصدار هذا القرار وان لا يكون بشكل عشوائي يضر بأجيالنا الحالية فالذي يضر هو اتخاذ الاعلاف وسيلة للتجارة من قبل فئة محدودة .. وليس الذي يضر هو اتخاذها وسيلة لامننا الغذائي من اللحوم.
م. عبد العزيز بن محمد السحيباني
البدائع |