الزواج تلك الرابطة المقدسة التي يجمع الله بها البشر، وتكون محصلتها الأسرة، التي تعتبر اللبنة الأساسية في بناء المجتمع المسلم، والتي يتم من خلالها إعمار الأرض - بإذنه تعالى -، فبالزواج تأتي الذرية الصالحة - إن شاء الله - وتتحقق السعادة تلو السعادة، سعادة في الدنيا، وسعادة في الآخرة.
وكأي فعل اجتماعي وحدث إنساني فإن الأمر يخضع لقانون الوجهين، بمعنى الوجه الأبيض الناصع والوجه الأسود المزعج، ودوماً نقول إن الزواج هو الأروع والأفضل والأنسب لحياة الإنسان فوجوهه البيضاء هي الأكثر وهي السائدة - ولله الحمد -، ولكن لا بد كما يقال من منغصات تطال هذا الزواج أو ذاك، أو هذه الأسرة أو تلك، ومن بين تلك الإشكاليات أو المعضلات هي قضية راتب الزوجة، فالعديد من الزوجات قد خرجن للعمل، وبطبيعة الحال فإن ثمرة العمل هي وجود راتب في نهاية كل شهر، والراتب هو مبلغ نقدي، والنقد هو المال، والمال من زينة الحياة الدنيا، وهو مطمع ومحط الأنظار، ولذلك فإن بعض الأزواج ضعاف النفوس يستغلون ذلك، ويحاولون الاعتداء على ذلك المرتب واغتصابه وافتراسه لتحقيق مطامحهم وغاياتهم، وهذا لا يعفي بعض النساء اللواتي يبخلن بالقليل والكثير على أزواجهن وكأنهن مؤسسة منفصلة لا علاقة لها بالطرف الآخر، وهكذا يكون الخطأ في طرف واحد فينعكس على الأسرة ككل، وهذا الطرف هو الزوج حيناً، والزوجة حيناً آخر، والزوجان في بعض الأحيان، والخسارة الكبرى هي التي تطال عش الزوجية وبالتالي الأبناء، ومن ثم المجتمع ككل.
إن بعض الأزواج ينظرون إلى راتب الزوجة على أنه حق مشروع لهم، لا يجوز لها التصرف به إلا بعد تقديمه لهم، ونسوا أو تناسوا أن الرجال قوامون على النساء، وهذا تقرير من رب العباد - عز وجل -، وهم المسؤولون أولاً وأخيراً عن هذه المؤسسة الزوجية وعن رعايتها وتدبيرها، إلا في حالات استثنائية لظروف العجز والإعاقة والمرض أو الوفاة حيث تضطر المرأة لاستلام زمام الأمور، كما أن بعض هؤلاء الأزواج هم في الحقيقة مبذرون مسرفون، يبعثرون أموالهم ذات اليمين وذات الشمال، ولا يكتفون بذلك بل يأخذون مال الزوجة وحلالها ليبعثروه أيضاً على نزواتهم وشهواتهم وأفكارهم غير السليمة.
لقد حدث أن اشترى أحد الأزواج بيتاً من مال زوجته وبعد اكتمال البنيان فاجأ زوجته بمفاجأة على مستوى البيت الحديث أذهلت الزوجة والأولاد وتذهل كل ذي لب، لقد تزوج زوجة أخرى ووضعها في ذلك البيت وفاءً منه لزوجته الأولى، ورداً لجميلها بشراء البيت!!
من الناحية الأخرى يجب علينا أن نذكر بخل بعض الزوجات كسبب للمشكلة، ونذكر أن المؤسسة الزوجية هي مؤسسة تعاون وألفة ومحبة وبناء مشترك وشراكة عمر، ولذلك عليها أن تحرص على تقديم ما يمكنها لزوجها، وبدون حتى ان يسألها، وبهذا تغلق هذا الباب وتزداد محبة زوجها لها، وتزداد عرى الألفة قوة، ويقوى البنيان وتسعد الأسرة والأبناء والمجتمع ككل.
لا مانع أن تقدم المرأة شيئاً من راتبها كهدية ونحوها لزوجها حتى قبل أن يسألها، ومن ثم تذكر له أن أبقت معها مبلغ كذا وكذا وهذا استعمل منه أشياء لها وللأولاد وستشتري كذا، وستضع بالبنك مبلغ كذا، فالوضوح هو الذي يجلي الشكوك، ويطهر النفوس، ويعزز الثقة، ويدعم التفاهم والتواصل.
وإذا كان ثمن كل هذه السعادات هو شيء من المال فليكن، فالمكسب كبير، بل كبير جداً، وبكل المعايير، فما أجمل أن تكسب المرأة زوجها وبيتها وأسرتها.
إن الحالات التي تتطور إلى ما تحمد عقباه ننصح فيها على الدوام لمحاولة الحل بين الزوج والزوجة بالنقاش والتفاهم، أو بمساعدة الأسرتين «أهله و أهلها»، أو وفق ما يرى أهل العقل، وقد يلزم تدخل القضاء أحياناً للوصول إلى الحل، ونحن دوماً نأمل أن يهدي الله الطرفين قبل تفاقم الأمور.
القضية بسيطة ولا تحتاج إلا لرحابة الصدر، والتحلي بأخلاقيات المسلم الفاضل، والالتزام بشرع الله، والنتيجة هي السعادة لو أخضع كل إنسان نفسه لما يحبه الله ويرضاه، والله ولي التوفيق.
|