تزركشت أمسيتي البارحة بسيدة خاصة، وتنطلق خصوصيتها من قدراتها الكبيرة على التقاط الحدث اليومي البسيط الذي قد يمرُّ على الكثير دون اهتمام، لكنه حينما يدخل عالمها يسير في سياقات كثيرة ويتفبرك بحيث يتحول إلى جزء من لوحة فسيفسائية أخَّاذة ترصفها هذه السيدة التي لم تزر المدارس قط أمام ناظريك بمهارة فائقة.
ولأن التفاصيل لا تنسرب من ذاكرتها المحكمة فقد أخذت تقص عليَّ بعض الذكريات عن دخول الموضة إلى عالم النساء منذ ما يقارب الأربعين عاما، فقالت: كانت تسريحة الشعر السائدة آنذاك هي جديلتان تسدلان على الأكتاف وما سوى ذلك فهو حرام، وكانت تصاميم الأثواب إما (مقطع) أو (كرتة) وما سوى ذلك من تصاميم فهو حرام.
وأخذتْ تسرد لي قائمة طويلة من المحظورات التي كانت تطوِّق المجتمع بحرص وصرامة وأي عائلة تتجاوزها ينظر لها بصورة مشينة ولا يخطب أحد فتياتها!! والملاحظ في كل قائمة التحريم السابقة بأنها لا ترتكز على أساس فقهي أو شرعي بقدر ما توظف التحريم كحجاب حاجز يبعد كل جديد وطارىء على ما اعتاده المجتمع آنذاك لقرون طويلة، ولكن جميع تلك المحظورات تبدو اليوم طريفة وغريبة فهي لم تستطع أن تقاوم تيار الحياة الهادر المندفع كالسيل العرم، فالتبدُّل والتغيُّر هو صيرورة كونية مهما حاول البشر أن يقيِّدوها ويقهقروها باتجاه الخلف.
الباقي هنا أن نؤمن بالتغيير كسنة إلهية ثابتة بين عباده، ونحاول مجاراتها وتجييرها لما فيه صالح هذا الزمان والمكان، فكم من المحظورات والممنوعات الآن تنتشر بين الناس دون تخريج شرعي لها، أو لربما باجتهادات تدعي الكمال والديمومة بينما الكمال هو شأن إلهي خالص.
| 
