تنهمك مراكز البحث والدراسة في كل أنحاء العالم على دراسة ظاهرة الإرهاب وأسبابها ودوافعها.. وذلك بعد أن استشرى خطر هذه الظاهرة، وأصبح يهدد الأرواح والممتلكات والمؤسسات والمصالح الوطنية في كل مكان.. وفي كل زمان..!
وتعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م التي قوضت مبنى منظمة التجارة العالمية بواشنطن أضخم وأفظع عملية تفجير في تاريخ الإرهاب المعاصر..!
كما تعد تلك العملية نقطة تحول في تاريخ الحرب ضد الإرهاب ومقاومته ومطاردة فلوله وخلاياه..!
بعد تلك العملية الفظيعة المؤلمة تزعمت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة الدول التي أعلنت الحرب على الإرهاب والإرهابيين.
وبدأت أولى عملياتها في أفغانستان ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة - على اعتبار أن هاتين المؤسستين هما مصدر الفكر الإرهابي والعمليات الإرهابية.
وما زالت الحرب ضد الإرهاب ومطاردة عناصره ورموزه قائمة وتجري في دول كثيرة، خاصة تلك الدول التي تنتمي إليها عناصر الإرهابيين، أو واجهت ويلات التفجيرات والعمليات الإرهابية، وعانت من مخاطرها وخسائرها على أراضيها.. ومنها المملكة العربية السعودية.. هذا البلد الذي ظَلَّ على مدى عقود متتالية وهو ينعم في ظلال الأمن الوارفة.. ويدعو إلى السلام العالمي.. حتى فاجأه وجود عناصر إرهابية تحمل الجنسية السعودية وتقوم بعمليات تفجير داخل المملكة..؟! الأمر الذي جعل المسؤولين السعوديين والشعب السعودي في موقف واحد لمواجهة هذا الإرهاب..؟!
***
* فما هي حقيقة الإرهاب..؟!
* وما هي دوافعه..؟!
* وما هي أسباب وجود هذه الظاهرة الخطيرة..؟!
* وما هي دوافع الإرهابيين ومطالبهم..؟!
* وكيف نفسر هذا النوع من الفكر الذي يقود أصحابه والمنتمين إليه إلى التضحية بأرواحهم في سبيل مطالب غير معلنة أو غير منطقية أو غير وجيهة..؟!
- أَيُّ نوعٍ من الفكر هذا الذي يجعل صاحبه يتمنطق بحزام من المتفجرات، ويمتطي سيارةً مملوءةً بالمواد المتفجرة، ثم يُداهم بها مجمعاً سكنياً أو سفارة أو عمارة يوجد بها الكثير من الأبرياء، ويضغط على زر التفجير، ويكون هو أول الضحايا.. وأول من تتمزق أشلاؤه.. وتطير في الهواء.. وتحترق..؟؟!!
.. ثم تأتي مجموعة من الأسئلة التي تفرضها طبيعة البحث في هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا وعلى العالم وهي:
* ما هي الحلول العملية المناسبة لمعالجة هذه الظاهرة، وللقضاء على هذا الفكر التدميري الخطير..؟!
* هل الحرب على الإرهاب، وملاحقة عناصره والقبض عليهم وإعدامهم.. هو الحل المناسب..؟!
* أم أن إخراج هؤلاء من مخابئهم، والحوار معهم، ومعرفة مطالبهم، وإقناعهم بأنهم على خطأ، ويشكلون خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين، وإعادتهم إلى الوسطية والاعتدال.. هو الحل الأنسب..؟!
***
في دراسة تحليلية حديثة، تم تصنيف أسباب هذه الظاهرة إلى أسباب مباشرة، وأسباب مساندة، وأسباب أخرى لن تظهر إلا في محاضر التحقيق مع العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها ويجري التحقيق معها.
وسوف أعرض بعض الأسباب التي حددتها هذه الدراسة لبروز هذه الظاهرة الإرهابية الخطيرة، ثم سأنتقل إلى عرض أهم الحلول التي تطرحها أو تقترحها للقضاء عليها..، وبعد ذلك سأختم بعرض وجهة نظري الخاصة في الموضوع.
أولاً: أهم الأسباب:
1- فهم مصطلح الجهاد فهماً خاطئاً، واعتبار تلك العمليات الإرهابية ضمن الجهاد في سبيل الله وهذا غير صحيح.
2- التأثر بأفكار وفتاوى المتشددين والمغالين في الدين الذين يكفرون الحكومات والحكام والأفراد ويدعون إلى الثورة ضدهم.
3- عدم وجود استراتيجية إعلامية وتربوية تدعو إلى الوسطية والاعتدال في ظل وجود وجهل هؤلاء الإرهابيين.
4- اختلاط الشباب الذين سافروا للجهاد في الشيشان وأفغانستان بأصحاب الأفكار المتشددة والاتجاهات الأصولية المنحرفة، وتأثرهم بهم ربما لجهلهم بتعاليم الإسلام التي تدعو إلى المحبة وإلى التسامح وإلى السلام وإلا فإن أصحاب هذه الأفكار ليسوا ممن يعتد بعلمهم وفتاواهم.
5- إهمال العائدين من ساحات الجهاد الأفغاني وعدم احتوائهم وتأهيلهم وتوظيفهم سواء من حكومات دولهم أو من أبائهم وأفراد أسرهم..
6- التغرير بالشباب الصغار واستغلال جهلهم واندفاعهم، وخداعهم وتضليلهم مما أوقعهم في شرك ما يبيته الإرهابيون.
.. وإلى جانب هذه الأسباب التي ترى الدراسة أنها أسباب جوهرية لبروز ظاهرتي العنف والإرهاب، هنالك أسباب ثانوية مساندة، تتعلق بالجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي والجانب السياسي.. لعل من أبرزها:
1- تفشي مظاهر الفساد الإداري كالواسطة والمحسوبية والرشوة، والفساد المالي على مستوى العالم العربي.
2- تدني مستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين في دولنا العربية وخصوصاً الخدمات الصحية.
3- ضعف الخطاب الديني واعتماده على أسلوب الإثارة أو الوعظ المباشر دون التعرض للإرهاب وأثاره.
4- عدم قيام المؤسسات التربوية «البيت - المسجد - المدرسة - الجامعة» بدورها في التربية والتوجيه، بالأسلوب الصحيح.
5- تفشي ظاهرة الفقر في المجتمعات العربية، وانقسامها إلى طبقة غنية غنى فاحشاً وطبقة فقيرة فقراً مدقعاً.
6- استيلاء الأجانب على فرص العمل في شركات ومؤسسات القطاع الخاص وأسواق ومراكز البيع والشراء، على حساب المواطن العربي في أغلب الدول العربية.
7- عدم استيعاب المؤسسات التعليمية للراغبين في مواصلة تعليمهم الجامعي، وعدم وجود فرص وظيفية كافية لغير المقبولين في كثير من الدول العربية.
8- مواقف الولايات المتحدة الأمريكية المناهضة للحقوق العربية والإسلامية.
9- إذعان بعض الدول العربية للضغوط الخارجية على حساب ثوابت الأمة.
10- تعاون بعض الأنظمة العربية والإسلامية مع أمريكا في حربها ضد بعض الدول العربية والإسلامية.
***
وبعد عرض هذه الأسباب وهناك غيرها، توقعت الدراسة أن يكون هناك احتمال لوجود أسباب أخرى، قد تظهر في محاضر التحقيق مع العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها ويجري التحقيق معها في كثير من الدول العربية.
ثم انتقلت الدراسة إلى طرح الحلول لمعالجة الموقف والقضاء على الظاهرة وآثارها.. ولقد جاءت تلك الحلول المقترحة على شكل توصيات من أهمها:
1- النظر إلى هذه الظاهرة ودراستها بكثير من الشفافية والمصداقية والوضوح، والاعتراف بأن هناك ما كان سبباً في وجود هذه الظاهرة.
2- عزل ما حدث في أضيق الحدود وحصره في إطاره الطبيعي، وعدم توسيع دائرة الاتهام..
إذْ أن إخراجه عن نطاقة قد يؤدي إلى التعاطف مع منفذي التفجيرات من قبل شرائح جديدة في المجتمعات العربية.
3- عدم الاقتصار على القوة وحدها في معالجة الظاهرة، لأنها قد تدفع بخلايا الإرهاب إلى المزيد من العنف والتحدي.
4- الإسراع في تنفيذ خطوات الإصلاح والتطوير، واتخاذ حلول عملية لذلك في جميع الدول العربية والإسلامية.
5- كشف حقيقة تنظيم القاعدة ومنهجه الفكري المنحرف وارتباطه بالعنف والإرهاب وعدم انسجامه مع القرآن والسنة وثوابت الأمة الإسلامية.
6- العناية بالحوار الهادئ الذي يزيل الشبهات ويصحح المعتقدات والمفاهيم والقناعات الخاطئة.
7- معالجة ظاهرة تعدد الفتاوى وتناقضها في النوازل والأحداث ذات العلاقة بمصالح الأمة الإسلامية.
8- دراسة أحوال المتهمين النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، والتعرف على ما تعرضوا له من ضغوط وما عرض عليهم من مغريات، أدتْ بهم إلى القبول بالانخراط في المنظمات الإرهابية.
***
ثم جاءت حرب الخليج الثانية في أوائل التسعينيات الميلادية، والقوات الدولية التي وفدت لتحرير الكويت من الغزو العراقي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فتحول مضمون الشريط الإسلامي «ولا أعمم في ذلك» إلى مهاجمة دول الخليج وحكوماتها ومطالبتها بإخراج القوات الأجنبية الكافرة، التي في اعتقاد المتشددين والإرهابيين أنها جاءت لاحتلال الخليج والسيطرة على مقدراته وتغيير ثوابته وهذا غير صحيح..؟!
ثم انتقل مضمون الشريط الإسلامي «أحياناً» إلى مرحلة ثانية بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وتصريحات الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» الانفعالية التي أوحت لهؤلاء بأن الحرب المعلنة ليست ضد الإرهاب، وإنما هي حرب صليبية جديدة ضد الإسلام والمسلمين..؟!
وكَرَّسَ هذا المفهوم، الهجوم الأمريكي على حركة طالبان وتنظيم القاعدة.. فانتقل مضمون الشريط الإسلامي في بعض الأحيان إلى التحريض على مقاومة القوات الأمريكية، وإلى الوقوف ضدها.، بل إلى إزعاج أمريكا، وضرب مصالحها في كل مكان وزمان..؟!
وبذلك، تفجرت قنابل الإرهاب الموقوتة والعنقودية والإنشطارية والذكية وغير الذكية، ضد الوجود الأمريكي والمصالح الأمريكية - داخل أمريكا وخارجها..؟!
* وهكذا ساهم الشريط الإسلامي «مع أني لا أعمم في ذلك، إذ هناك أشرطة تأخذ منحى آخر مفيداً ومطلوباً» في تهييج المشاعر ضد الولايات المتحدة الأمريكية وأعوانها، وفي صناعة الفكر المتشدد، وتعميمه، وترسيخه..!
وكان الذهاب إلى ساحات الجهاد في أفغانستان، والالتقاء برموز الإرهاب هناك، بمثابة المرحلة الأخيرة لبلورة الفكر الإرهابي، ولتحويل بعض المتشددين والمغرر بهم من متأثرين بهذا الفكر المنحرف، إلى أدوات للقيام بتنفيذ العمليات الإرهابية..؟!
هذه هي أبرز تطورات العلاقة بين مضامين الشريط الإسلامي وبين مراحل تشكل وتطور الفكر الإرهابي المتشدد.
وإذا أضيفت هذه العلاقة السببية إلى الأسباب التفصيلية التي تعرضها الدراسة التحليلية المشار إليها، فسوف يتكون - لدينا - تصور واضح حول ملابسات هذه الظاهرة وإشكالياتها وأسباب وجودها الحقيقية.
وإذا قُدِّرَ للدراسات التي تدور حول هذه الظاهرة العالمية الخطيرة أن تلتزم بمبادئ الإخلاص والشفافية والوضوح في تناولها، فسوف يؤدي ذلك إلى وضع اليد على أسباب وجود هذا الفكر المنحرف وانتشاره، وإلى التعرف على دوافع الإرهابيين ومطالبهم، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى اجتثاث ذلك الفكر العنيف، وإلى القضاء على أسباب الظاهرة ودوافعها وأصولها وفروعها.
والمنتظر - الآن - أن تتضافر الجهود في مراكز البحث والدراسة، وأن يتحقق فيما بينها المزيد من التواصل والتعاون وتتبادل المعلومات والخبرات والبحوث المشتركة لمواجهة أخطر قضية معاصرة تحدث في تاريخ الإنسانية والعالم، ولمواجهة أخطر خلية إرهابية تعمل في الظلام وتبث عناصرها في أنحاء العالم وتتخذ من التفجيرات والقتل والتدمير وسيلةً للانتقام من الأبرياء..!!
( * ) مساعد مدير عام إدارة الدراسات مجلس الشورى
|