كل الذي يحدث الآن من مستجدات على ساحة الصراع العربي - الاسرائيلي بخصوص فلسطين يؤكد صدق الحقيقة الأزلية ان القوي لا يمكن أبداً ان يقبل بسلام عادل مع الضعيف إلا إذا أصبح هذا الضعيف يشكل خطراً لا يمكن القضاء عليه. واسرائيل ما دامت محمية بالمظلة الأمريكية ضد القرارات الدولية في مجلس الأمن وبالسلاح الأمريكي على الأرض تسفك به دماء الفلسطينيين كل يوم، ولا تسمع أمريكا كلاماً فيها حتى لو اتفق العالم كله. وأمريكا تشذ عن الاجماع العالمي بشكل صريح ثم لا تتورع بعد ذلك ان تدعي انها داعية سلام وانها تسعى لإقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة اسرائيل!!
أثبتت الوقائع ان اسرائيل لا تريد ان تلتزم بشيء على الإطلاق، والفلسطينيون الرسميون يتنازلون يوما بعد يوم ولم يبق ما لم يقبل ولكن إسرائيل لن ترضى. قبِل الفلسطينيون خارطة الطريق وتلكأت إسرائيل بدلال ودخل الفلسطينيون في طريق ضبابي غير واضح الملامح ولكنهم أرادوا بذلك على الأقل الإثبات للقوى الدولية انهم دعاة سلام. والآن جاءت «مبادرة جنيف» وقدمت لإسرائيل تنازلاً خطيراً لم يتجرأ عليه أحد من قبل وهو التنازل عن حق أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في العودة إلى أرضه. وقد أثارت هذه الوثيقة غضب الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي.
ورغم ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أرسل مندوباً عنه إلا ان اسرائيل لم تظهر الرضا!!
ما الذي يمكن تقديمه لكي ترضى إسرائيل عن الفلسطينيين؟
قد يقول البعض انها تريد التخلي الكامل عن القدس بما فيه المسجد الأقصى لتكون عاصمتها الرسمية المعترف بها.
ولكننا نقول إن ذلك لن يرضي إسرائيل في ظل الأوضاع السياسية العالمية الراهنة التي تسيطر فيها قوة واحدة عظمى على مقدرات العالم وتسخر كل تحركاتها بوعي أو بغير وعي لصالح إسرائيل، ذلك لأن إسرائيل أصبحت تعتبر سحقها للفلسطينيين وتدمير بيوتهم حرباً على الإرهاب، وإن أية دولة عربية أو إسلامية يشتبه في امتلاكها لسلاح نووي دولة إرهابية أو مؤيدة للإرهاب لا بد من القضاء عليها أو تأديبها لتصبح إسرائيل الدولة الوحيدة المهيمنة في الشرق الأوسط بما تملك من أسلحة الدمار الشامل!!
وفي ظل هذه الخارطة السياسية الواضحة التي تنتهي كل طرقها لصالح إسرائيل. هل تحتاج إسرائيل للدخول في أنفاق «خارطة الطريق» وتنازلات «مبادرة جنيف» بمقابل قيام دولة فلسطينية على شبر من أرض إسرائيل الكبرى؟!
لا..
وألف لا...
لن تقبل إسرائيل بذلك اليوم!
إنها تريد شيئاً واحداً وهو تذويب الشعب الفلسطيني وتوزيعه على البلاد العربية لذلك فهي تحارب الآن السلطة الفلسطينية برغم الاعتراف والتنازلات التي قدمتها.
ولا تريد ياسر عرفات ما دام ياسر عرفات يطالب بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، وحتى لو تنازل عن القدس فإن إسرائيل لن تقبل بدولة ضعيفة تخشى ان تقوى ودولة صغيرة تخشى ان تكبر، ولا تجد في نفسها ضعفاً يجعلها تقبل بذلك.
وعرفات قد يتنازل عن كل شيء إلا القدس لأنه من مطالبته بالقدس يستمد شرعيته وقوته وطنياً وعربياً وإسلامياً.
وستكثر المبادرات والاتفاقات ولكن لن يتحقق سلام قائم على العدل إلا بين قوتين متكافئتين، وبدون هذا التكافؤ بتأييد دولي قوي أو قوة ذاتية للطرف الأضعف فإن الطرف الأقوى سيصر على التعنت وإملاء شروطه، ولن يكون هناك خروج عن حقيقة ان ما أُخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة المادية والمعنوية أو بكليهما معاً { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
hemaid2000athotmail.com
|