ذلك الإنسان القريب إلى النفوس والأحاسيس والعواطف، ذلك النجم اللامع في سماء ساحتنا الشعرية، ذلك العلم الشامخ في كتاباته الإنسانية. يخجلك بتواضعه وبخلقه الجم، لكن سرعان ما غيّبه الموت عن دنيانا {إنا لله وإنا اليه راجعون}.
لا اعتراض على القدر، فالموت نهاية كل حي والمنايا مأمورة بإذن ربها دون سابق إنذار، ولكن عندما يكون الفقيد كطلال الرشيد يكون الأمر مختلفاً، فكيف بنا أن نستوعب الحزن الشديد وخبر كالصاعقة، فالجميع مندهش بين مصدق ومكذب لغموض الخبر المفاجئ وقلة تفاصيل ملابسات الحادث.
فقد جاء رحيله - رحمه الله - طوفاناً مباغتاً ليلة شتاء باردة، شتاء لا يستأذن أجسادنا، بل ينقض عليها محمّلاً بحمى الموت والموت فعلاً أتانا بطلال الشاعر، بطلال الإنسان، السعودي الأصيل المتمسك بدينه المعتز بوطنه، الكريم بأخلاقه، العميق بثقافته.
فقد كان غيثاً وسيلاً من الأخلاق والمحامد.
سقاك الغيث انك كنت غيثاً
ويسراً حين يُلتمس اليسار
|
من كتابته وعبر فاصلة بيضاء تعرفه، تعرف تلك الخبايا الجليلة في شخصه وذاته، أمور كثيرة لم يعلمها الناس، لكن الله يعلمها، ولم يحيطوا بها، لكن الله أحاط بها، وما هذه الدموع الدامعة والآهات الحرّى إلا دليل على حب الناس له وحزنٌ لفراقه المؤلم وما ذلك وذاك إلا دليل لحب الناس له، وحب الناس دليل على حب رب العباد، ويصدق فيه قول الشافعي:
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تُقضى على يده للناس حاجات
|
لك الله يا طلال.. ستبقى في القلوب حسرة وفي العيون دمعة، وفي الحناجر شهقة.
ستبقى لنا في أبنيك نواف وعبدالعزيز.
ستبقى رغم الفراغ الكبير الذي أحدثه رحيلك.
ستبقى ما بقينا على وجه الأرض.
أخي طلال:
سنذكرك عندما نتصفح «فواصل» ونقرأ «البواسل»، سنذكرك عندما يلوح النجم في السماء ونقرأ فاصلتك البيضاء، سنذكرك عندما نقرأ كتاباتك ونستمع لشعرك وكلنا يعلم لو تألمت الكلمات وجفت الأقلام وانكسرت السيوف وتقطعت الألسن وجفت الدموع ما استطاعت إلا قبولا بأمر الله جل وعلا، إنها المشاعر المحبة تعلن تمردها وحبها لذلك الإنسان الذي أدمى القلوب برحيله.
رحمك الله يا أخي طلال وغفر لك وادخلك فسيح جناته، ستفقدك الناس كما يفقدون البدر في الليلة الظلماء ويعلم الله إنا عليك لمحزونون.
|