Wednesday 3rd december,2003 11388العدد الاربعاء 9 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أنت أنت
مجالات التغيير: معرفة حدود الحرية
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

الحرية هبة إلهية.. ومبدأ سام، وقيمة إنسانية، لا يماري ولا يجادل فيها أحد.. من امتلكها امتلك أجمل ما في الحياة.. ومن فقدها فقد لذة الحياة ومعناها.. ولذلك فهي قانون طبيعي وجزء أساسي من الحالة الإنسانية المتميزة بالعقل والوعي والضمير.. لا ينكرها إلا معتوه أو صاحب منفعة مصلحته في حجبها.
الحرية حق يتساوى البشر كلهم في استحقاقها.. وأكد ذلك ديننا كما أكده آباؤنا الأوائل.. ولعل مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً» هي الأشهر والأبقى على مدى الدهور والأيام.
والحرية قيمة فالكل يؤمن بمكانتها وأهميتها.. وكم دفعت الشعوب ثمناً غالياً لاسترجاعها أو لنيلها والتمتع بها.. لذا كثيراً ما نرى الحرية تتصدر شعارات الأيدلوجيات الحديثة مثل شعار الثورة الفرنسية (حرية، عدالة، مساواة).
والحرية تتيح النمو عرضاً وطولاً وسط بيئة نقية صحية تسمح بالازدهار والرفاه.. فهي تشيع أجواء الابتكار والإبداع والعطاء.. فتتلاقح الأفكار وتتقادح العقول وتتقارع الحجج وتنطلق الطاقات الكامنة دون خوف أو وجل.
كما أن الحرية هي الدواء الناجع لمعظم الأمراض كالتخلف والغلو والتطرف والإرهاب... فبغيابها تنشط الكائنات الظلامية والأفكار الهدامة المسنودة بتعاليم الغيبيات والخرافات لتنتج واقعاً مؤلماً.. إذا سطعت الشمس أسفرت عن أطلال الخراب والهزيمة في المجتمع الضحية.
ومجالات الحرية مختلفة ومتعددة فهناك حرية الملكية والتصرف بالمال.. وحرية الكلمة والتعبير عن الرأي.. والحريات الشخصية في العمل والسفر والإقامة.. والذائقة الشخصية في اللبس والمأكل والمشرب والقراءة.. وحرية الاستمتاع بكافة ملذات الحياة.
إلا أنها كمبدأ مرتبطة ارتباطاً شديداً بمبدأ الرشد.. والرشد هو الحبل الذي يطوق عنق الحرية.. فتارة يرخى لتتنفس الشعوب الحرية فتنطلق إلى الأمام.. وتارة أخرى يشد لتخنق الشعوب.. فتظهر الأمراض والآفات وتتراجع الشعوب المبتلاة إلى الوراء.
الحرية في رأي الناس جميعاً مسألة لا خلاف فيها أو عليها.. ولكن الرشد كمبدأ ومفهوم هو محل الخلاف والتفاوت.. فكم من شعب رزح تحت الديكتاتورية بدعوى عدم الرشد.. وكم من شعب اختطف حاضره ودمر مستقبله بدعوى أن الناس لا تعرف مصلحتها وأين تكون منفعتها.
حبل الرشد هذا من الذي يحدده ومن الذي يصف إطاره وأبعاده ومستواه؟ فحبل الرشد استخدم كحبل المشنقة لشعوب.. واستخدم كسجن عالي الأسوار لشعوب.. واستخدم كحجر عثرة أو إعاقة لشعوب أخرى.
وصفت رئيسة الوزراء الهندية الشهيرة انديرا غاندي الشعوب بأنها في مطلع نموها تشبه الطفل الرضيع إن لم يجد الرعاية والاهتمام بكل تفاصيل حياته هلك.. وانه حينما يكبر قليلاً ويبدأ بالحبو فلا بد من متابعته لكي لا يؤذي نفسه.. وحينما يصبح مراهقاً فلا بد من مراقبته لكي لا ينحرف.. وحينما يكبر ويشتد عوده ويبلغ مرحلة الرشد.. فإن دور الرعاية والمراقبة والمتابعة قد توقف.. وإن قدرة ولي الأمر لا تتجاوز حدود الدعاء والابتهال إلى الله بالتفضل بالستر والحماية.
انطلاقاً من وصف رئيسة الوزراء الهندية السابقة للشعوب.. هل من مصلحة الطفل حبسه خوفاً عليه؟ وهل من مصلحته قمعه حرصاً على تأديبه؟ وهل من مصلحته حرمانه خشية فساده ودلاله الذي ربما يقود إلى انحلاله؟
حسب الوصف السابق أين نحن كمجتمع سعودي.. هل نحن في مرحلة الرضاعة أم الحبو أم المراهقة.. أم ترانا قد بلغنا الرشد؟
كيف لنا أن نحمي مجتمعنا من أمراض نقص الحرية المتمثلة في الغلو والتطرف والتخلف الفكري.. وكيف لنا أن نحمي مجتمعنا من الحرية المنفلتة المندفعة في كل الاتجاهات التي قد تضاعف الأمراض وتزيد الآلام.. وتنحدر بالأمة.. أيضاً كيف لنا أن نحدد أين تبدأ الحرية وأين تقف.
معرفة حدود الحرية مسؤولية أولى تسبق كل مسؤولية.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved